الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طرق رد المسروقات، ومحل جواز التصدق بها

السؤال

منذ أكثر من 5 أعوام قبيل الالتزام قمت بالسرقة من 3 أشخاص، وعندما قرأت أنه لا يجوز التصدق عنهم قمت بوضع ما يقرب من مقدار النقود التي قمت بسرقتها مع ورقة مطالبا إياهم بالسماح والتماس العذر، وذهبت إلى بيوتهم ووضعتها هناك سرا ولم أعرفهم بشخصيتي لعدم الإحراج، وانتظرت بضعة أيام، ثم أردت أن أتأكد أنهم قد استلموا الظروف ـ والحمد لله ـ وجدت واحدا منهم قد استلمه أما بالنسبة للآخرين وهنا سؤالي: أول شخص عرفت منه أنه لم يعد يقيم في نفس المكان فتوجهت في الصباح لآخذ الظرف الذي وضعته عند بيته فلم أجده، فهل سقط عني رد المبلغ أم لا؟ والثاني استلم المال إلا أنني تذكرت بعدها مبلغا آخر قد سرقته منه، فهل يجوز التصدق بهذا الجزء عنه، لأنني قد تحايلت في المرة الأولى، ولم يعد بإمكاني اتباع هذه الوسيلة أو غيرها؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالسرقة من أعظم المنكرات، ومن كبائر الذنوب، ومن هنا فقد رتب الشارع عليها في الدنيا عقوبة عظيمة، قال سبحانه: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {المائدة:38}

ومن سرق واستتر بستر الله عليه ولم يفضح نفسه بالكشف عما فعل، فذلك هو الأولى، لقوله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله تعالى، وليتب إلى الله تعالى، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه الحاكم من حديث ابن عمر، ورواه مالك في الموطأ مرسلاً عن زيد بن أسلم.

لكن لا بد في توبته من السرقة أن يرد الحق إلى صاحبه، والقاعدة الشرعية فيما اعتدي عليه وأتلف من حق الغير بغصب، أو سرقة ونحوها أن المثلي يضمن بمثله، والمتقوم يضمن بقيمته، جاء في الموسوعة الكويتية: لا خلاف بين الفقهاء في وجوب رد المسروق إن كان قائما إلى من سرق منه، سواء كان السارق موسرا، أو معسرا، وسواء أقيم عليه الحد، أو لم يقم، وسواء وجد المسروق عنده، أو عند غيره، لما روي من أن الرسول صلى الله عليه وسلم رد على صفوان رداءه وقطع سارقه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى تؤدي. اهـ

وبناء عليه، فإن ما قمت به من محاولة إيصال النقود المسروقة إلى أصحابها بطريقة لا يفتضح فيها أمرك أمر صحيح وجيد من حيث إنه يرجع الحقوق إلى أهلها دون أن يفضح المرء نفسه، والإنسان مأمور بالستر على نفسه ـ كما قدمنا ـ

لكن لا بد لك مما يلي:

1ـ ترد ما سرقت كاملا غير منقوص للأشخاص الثلاثة، لأنك في السؤال تقول: قمت بوضع ما يقرب من مقدار النقود التي قمت بسرقتها ـ وهذا قد يفهم منه أنك لم ترد المبلغ كاملا، فإن كان الأمر كذلك فأكمل ما بقي حتى يكون المبلغ كاملا كما أخذته.

2ـ الأخ الذي تحول من مسكنه لم يسقط عنك حقه بعد، لأنه ـ على ما يبدو ـ لم يستلم المبلغ، فلا بد أن تبحث عنه حتى تسلمه المبلغ بالكيفية التي تناسبك، فإن لم تعلم إلى أين ارتحل، وعجزت عن الوصول إليه بأي طريقة وأيست من الوصول إليه، فتصدق بالمبلغ المسروق عنه، مع ضمانه له متى وجد، وهو مخير بين إمضاء الصدقة ويكون له أجره أو أخذ حقه ويكون أجر الصدقة للمتصدق، لما في مصنف ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: إن كان عليك دين لرجل فلم تدر أين هو وأين وارثه؟ فتصدق به عنه, فإن جاء فخيره.

3ـ المبلغ الذي تذكرته ما زال في ذمتك، ولا بد أن ترده لصاحبه بأي طريقة، فاستعن بالله ولا تعجز، وحاول من الطرق ما لا يفتضح به أمرك، كما فعلت في المرة السابقة: أما تصدقك به عنه فمحله عند تعذر الرد، وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 262381، 23322، 154739، 198929.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني