الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهمية الخوف من الله وخطورة الاغترار بالعمل

السؤال

قال أحد السلف: الناس كلهم هلكى إلا العالمون، والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم ـ فكيف الخلاص؟ وكيف النجاة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه العبارة ذكرها أبو حامد الغزالي في الإحياء في آخر كتاب ذم الغرور، وبمراجعة السياق الذي ذكرت فيه تلك العبارة يتبين مراد أبي حامد من إيرادها، وأنه تذكير المؤمن بأن يبقى قلبه معلقا بالله تعالى، وألا يعجب بنفسه، ولا يغتر بعمله، ولا يأمن مكره سبحانه، بل يبقى خائفا وجلا معلقا قلبه بربه، عالما أنه لا نجاة له إلا بتوفيقه ومعونته، وأنه لا ينجيه عمله - وإن أخلص فيه - حتى يتغمده الله برحمته، وهاك كلام أبي حامد ـ رحمه الله ـ بتمامه ليتبين لك المراد، قال عليه الرحمة: فإن قلت: فإن علم المريد هذه المكيدة من الشيطان فاشتغل بنفسه وترك النصح أو نصح وراعى شرط الصدق والإخلاص فيه، فما الذي يخاف عليه؟ وما الذي بقي بين يديه من الأخطار وحبائل الاغترار؟ فاعلم أنه بقي عليه أعظمه وهو أن الشيطان يقول له قد أعجزتني وأفلت مني بذكائك وكمال عقلك وقد قدرت على جملة من الأولياء والكبراء وما قدرت عليك، فما أصبرك وما أعظم عند الله قدرك ومحلك، إذ قواك على قهري ومكنك من التفطن لجميع مداخل غروري فيصغي إليه ويصدقه ويعجب بنفسه من فراره في الغرور كله فيكون إعجابه بنفسه غاية الغرور وهو المهلك الأكبر فالعجب أعظم من كل ذنب، ولذلك قال الشيطان: يا ابن آدم إذا ظننت أنك بعلمك تخلصت مني، فبجهلك قد وقعت في حبائلي، فإن قلت فلو لم يعجب بنفسه، إذ علم أن ذلك من الله تعالى لا منه، وإن مثله لا يقوى على دفع الشيطان إلا بتوفيق الله ومعونته، ومن عرف ضعف نفسه وعجزه عن أقل القليل، فإذا قدر على مثل هذا الأمر العظيم علم أنه لم يقو عليه بنفسه، بل بالله تعالى فما الذي يخاف عليه بعد نفي العجب؟ فأقول يخاف عليه الغرور بفضل الله والثقة بكرمه والأمن من مكره حتى يظن أنه يبقى على هذه الوتيرة في المستقبل ولا يخاف من الفترة والانقلاب فيكون حاله الاتكال على فضل الله فقط دون أن يقارنه الخوف من مكره ومن أمن مكر الله، فهو خاسر جداً، بل سبيله أن يكون مشاهداً جملة ذلك من فضل الله ثم خائفاً على نفسه أن يكون قد سدت عليه صفة من صفات قلبه من حب دنيا ورياء وسوء خلق والتفات إلى عز وهو غافل عنه ويكون خائفاً أن يسلب حاله في كل طرفة عين غير آمن من مكر الله ولا غافل عن خطر الخاتمة، وهذا خطر لا محيص عنه، وخوف لا نجاة منه إلا بعد مجاوزة الصراط، ولذلك لما ظهر الشيطان لبعض الأولياء في وقت النزع وكان قد بقي له نفس فقال: أفلت مني يا فلان، فقال لا بعد، ولذلك قيل: الناس كلهم هلكى إلى العالمون والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم ـ فإذن المغرور هالك، والمخلص الفار من الغرور على خطر، فلذلك لا يفارق الخوف والحذر قلوب أولياء الله أبداً. انتهى كلامه رحمه الله.

وبه يتبين لك طريق النجاة وأنه دوام تعلق القلب بالله تعالى، والخوف منه سبحانه، والوجل أن تسوء الخاتمة أو يحبط العمل والعبد لا يشعر، وعدم الأمن من مكره سبحانه، وعدم الركون إلى العمل والإعجاب به، نسأل الله أن يحسن خواتيمنا أجمعين، وأن يتوفانا وهو راض عنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني