الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم استخدام البصمة الوراثية لإثبات أو نفي النسب والميراث

السؤال

أدري أن سؤالي غريب عجيب، وما سأسرده أشبه بالروايات والمسلسلات، ولكني لا أجد سواكم للمشورة، فأرجو إفادتي وجزاكم الله عني خيرا.
قصة تعود جذورها لقرابة الثمانين سنة، سأسردها بدون تفصيل كبير فليغفر لي الله، علما بأني سأحذف تفاصيل تربطني بالقصة، فللأسف الأقدار تدور وتتقلب مما جعلني حلقة وصل لهذه القصة التعيسة، حلقة وصل إعادة إحياء ما دفن منذ أعوام طويلة، علمت من قريبتي العجوز بأن والدها المرحوم (توفي منذ قرابة الـ 35 سنة أو يزيد عن عمر ناهز الـ 100عام) قام بالاعتداء على امرأة أيضا توفيت منذ قرابة الـ 30 سنة، هذه المرأة كان لها ثلاث بنات تركها زوجها قرابة عام وسافر ليؤدي فريضة الحج، وهي حملت في غيابه (نتيجة للاعتداء والله تعالى أعلم) ووضعت حملها وأنجبت صبيا، وبعد أن عاد زوجها ظن أنها حملت قبيل سفره، وبعد عودته بمدة قصيرة استشهد في محاربة الإنجليز في فلسطين، رحمة الله وبركاته عليه، هذا الرجل (زوج المرأة المعتدى عليها) كان ذا مال وأطيان وأراض وزروع، أنتم تعلمون ماهية الواقع في فلسطين الداخل حيث أنه أثناء حرب 1948 تم مصادرة والاعتداء على معظم الأراضي بالداخل المحتل، فصودر ما صودر من أراضي هذا الابن المنسوب لزوج المرأة المعتدى عليها (كان طفلا آنذاك) وضاعت أموال كثيرة وضاعت الأنعام التي كانت بالمئات، ولكن تبقى لإرثه كمية كبيرة من الأراضي (وهي حالة نادرة جدا جدا جدا في فلسطين الداخل حيث الناس لا تجد أين تقطن من شدة المصادرة والتضييق على الأهل بالداخل المحتل) وفوق ما تبقى له قام بالاستيلاء على حصص أخواته الثلاث وحرمهن من ميراث والدهن الشرعي تبعا للأعراف بأن لا ترث البنات أرضا حتى لا يأخذها الصهر الغريب! هذا الابن شارف على أبواب الثمانين عاما ولا أحد يعلم الحقيقة سوى قريبتي، وربما أناس آخرون تكتموا أيضا على الموضوع، أنا لا أشك بحديثها حيث أنني قبل أن أعلم الحقيقة راودني الشك لسنوات طويلة ولدي أسباب قوية لذلك، حيث أن القصة أكثر تعقيدا من حيث الأنساب وصلتي الشخصية بالموضوع.
اليوم عدا عن شهادات الذين تبقوا في الحياة ممن يعلمون القصة وإحداثياتها يمكن عمل فحص دي إن إيه يثبت أو ينفي صحة الموضوع، لكن هذا ربما يتطلب نبش القبور والعياذ بالله وليس عندي أدنى شك بأنني إذا تكلمت سيقوم الورثة الشرعيون ويطالبون بالدي إن إيه رغم أن ذلك يستدعي نبش القبور حيث أن قيمة التركة من أراض تعادل ملايين الدولارات، أنا لا أدري أأكتم ما علمت أم أحدث به حتى تعود الحقوق لأصحابها ويأخذ كل ذي حق حقه؟ أنا لم أحدث أحدا بالموضوع فأنا أشعر أنه رغم العبء الشديد الذي يثقل كاهلي مذ علمت إلا أن حديثي بالموضوع هو أشبه بنبش القبور وهتك عرض امرأة سترها التراب، أنا أشعر بأن ستر المرأة المرحومة أولى وأهم من الدنيا ومالها الفاني.
أرجو إفادتي فالموضوع يؤرقني جدا خاصة أن زوجي من المستحقين حيث أنه حفيد إحدى الأخوات الثلاث، ولكن رغم ذلك أنا أميل إلى التستر على الموضوع، ما رأيكم؟ أفيدوني، وما رأي الشرع بهذه الحالة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمدار سؤالك على نسب هذا الابن، والأصل أنه ينسب إلى أبيه لأنه ولد على فراشه، فلا ينتفي عنه نسبه إن كان أبوه لم ينفه بلعان، لما ثبت في الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الولد للفراش. وقد أوضح معناه النووي في شرحه على صحيح مسلم حيث قال: وأما قوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش فمعناه أنه اذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشا له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولدا يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة... اهـ. وغياب زوجها عنها سنة لا ينفي كونه منه.

والحمض النووي لا يعتمد عليه في نفي الأنساب الثابتة، فإضافة لكونه مخالفا للأصل الذي سبقت الإشارة إليه فإنه قد يكون مجلبة للشكوك، ومضيعة للمال، وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ما يلي: لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعًا، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصونًا لأنسابهم. اهـ.

فلا يجوز لك ولا لغيرك التعرض لنسبه، أو اتهام ذلك الرجل بأنه قد ارتكب الزنا مع هذه المرأة من غير بينة، فإن هذا يترتب عليه القذف، والذي هو كبيرة من كبائر الذنوب، وفيه وعيد شديد، وانظري الفتوى رقم: 211225.

والواجب أن ينصح هذا الرجل بتمكين أخواته من نصيبهن في الميراث، وأن يبين له أن منعه إياهن شيئا من ذلك جرم عظيم، وظلم كبير، وخلق من أخلاق الجاهلية خطير، فقد قال تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا {النساء:7}، قال القرطبي في تفسيره: وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة، فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما، فقالا: يا رسول الله؛ ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا، ولا ينكأ عدوا، فقال عليه السلام: (انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن)، فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم، وإبطالا لقولهم وتصرفهم بجهلهم، فإن الورثة الصغار كان ينبغي أن يكونوا أحق بالمال من الكبار، لعدم تصرفهم والنظر في مصالحهم، فعكسوا الحكم، وأبطلوا الحكمة فضلوا بأهوائهم، وأخطئوا في آرائهم وتصرفاتهم. اهـ.

ويمكن رفع الأمر للقضاء الشرعي لاسترداد هذا الحق، فإن لم يوجد قضاء شرعي فالجهات المختصة بالنظر في قضايا المسلمين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني