الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يشترط لطلب العلم الخلو من المعاصي ومخالفة القوانين؟

السؤال

أريد أن أطلب العلم، وأتفقه في الدين، ولكن عندما أنظر إلى حالي أقول: كيف أطلب العلم وأنا أفعل هذه الأشياء؟
ومن هذه الأشياء عدم الالتزام بلوحات السرعة في الطرق، والدخول بالجوال في العمل، مع وجود لائحة تمنع دخول الجوال.
بالنسبة للدخول بالجوال في العمل، لا يوجد لدي وقت كاف خارج وقت العمل، وأيضا لدي بعض الأعمال المهمة في جوالي مثل الخدمات الدينية، وغيرها.
وأما بالنسبة للسرعة، فتوجد بعض اللوحات يستحيل أن أطبقها، كشارع فارغ، وأنا ذاهب لمكان عملي، ويطلب مني أن أمشي بسرعة 60!
سؤالي: هل يمكن طلب العلم وأنا بهذا الحال، أم لا يجوز طلب العلم إلا بترك هذه الأشياء؟
أنا بحاجة إلى طلب العلم، ولا أريد أن أكون من أهل الجهل، وأيضاً لا أريد أن أقع في الأخطاء في العبادات.
أعتذر عن الإطالة.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فيجب عليك أن تتوب إلى الله من كل ما تلم به من المعاصي، سواء ما ذكرته، أو غيره، وعليك أن تتقيد باللوائح والقوانين المنظمة للمرور، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 262585، كما عليك الالتزام بقوانين العمل التي وضعت لمراعاة مصلحته؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {المائدة:1}.

ولكننا ننبهك إلى أنه ليس من شرط طلب العلم، أن يكون الإنسان خاليا من الذنوب، بريئا من العيوب، وإن كان كلما كان للذنوب أترك، كان تحصيله للعلم أتم، وإدراكه له أحسن.

قال في الداء والدواء: إِنَّ الْعِلْمَ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ، وَالْمَعْصِيَةُ تُطْفِئُ ذَلِكَ النُّورَ. وَلَمَّا جَلَسَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ يَدَيْ مَالِكٍ وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ وُفُورِ فِطْنَتِهِ، وَتَوَقُّدِ ذَكَائِهِ، وَكَمَالِ فَهْمِهِ، فَقَالَ: إِنِّي أَرَى اللَّهَ قَدْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِكَ نُورًا، فَلَا تُطْفِئْهُ بِظُلْمَةِ الْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:

شَكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي ... فَأَرْشَدَنِي إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي

وَقَالَ اعْلَمْ بِأَنَّ الْعِلْمَ فَضْلٌ ... وَفَضْلُ اللَّهِ لَا يُؤْتَاهُ عَاصِي. انتهى.

ومن ثم فنصيحتنا لك هي أن تجتهد في طلب العلم، ولا يصدنك عن التعلم ما تقترفه من بعض المعاصي والذنوب، فإن أحدا لا يسلم من مخالفة، لكن عليك أن تجتهد مع ذلك في التخلي عن تلك الذنوب والتوبة منها، واستعن على ذلك بالله تعالى يعنك، وجاهد نفسك فيه؛ يوفقك، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا {العنكبوت:69}.

والعلم من أسباب التمسك بالحق، ولزوم الصواب، والسير على الجادة، فاجتهد في طلب العلم، واجمع إلى ذلك التوبة إلى الله، ولزوم الصراط المستقيم جهدك، وكلما واقعت معصية فتب منها، واستعن بالله تعالى، واجتهد في دعائه حتى يقيمك على طاعته، ويلزمك سبيل مرضاته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني