الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الحج لمن عليه ديون وحكم إحجاج الرجل زوجته

السؤال

توفر لدي مبلغ من المال، فنويت أن أقوم بأداء فريضة الحج أنا وزوجتي هذا العام، وسوف أترك أولادي مع أمي، ولكنني مهدد بترك عملي خلال الأشهر القليلة المقبلة نظرا لانتهاء المهام التي كلفت بها، وقد قامت الشركة بالفعل بالاستغناء عن عدد كبير من الموظفين، وكل موظف ينتهي من العمال الذي كلف به يتم الاستغناء عنه فورا، وأنا سوف أنهي الأعمال التي كلفت بها خلال الأشهر القليلة المقبلة، فهل أحج أنا وزوجتي بهذا المبلغ؟ أم أحتفظ به تحسبا للظروف التي سوف أمر بها إذا تركت عملي، حيث إن التزاماتي كثيرة من أقساط وفواتير.... وإذا انقطع الراتب فسأكون في ورطة حقيقية، مع أنني لا أعرف تكلفة الحج، وقد لا يكفي هذا المبلغ إلا لشخص واحد فقط، فهل أحج أنا، وبذلك يسقط شرط الاستطاعة عن زوجتي؟ أم أنتظر العام المقبل، مع العلم أن تصريح الحج يصدر للشخص الواحد كل خمس سنوات، وإذا قمت بالحج بمفردي هذا العام فلن تجد زوجتي محرما للحج في العام المقبل؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فاعلم أولا: أنه لا يجب عليك شرعا إحجاج زوجتك على نفقتك، وأنها لا يجب عليها الحج أيضا، ولا تعتبر مستطيعة إذا تبرع لها أحد بنفقة الحج، سواء كان زوجها أو غيره، جاء في المغني لابن قدامة: وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِبَذْلِ غَيْرِهِ لَهُ، وَلَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بِذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَاذِلُ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَسَوَاءٌ بَذَلَ لَهُ الرُّكُوبَ وَالزَّادَ، أَوْ بَذَلَ لَهُ مَالًا. اهـ.

فإذا لم تكن زوجتك مستطيعة بمالها، فلا يجب عليها الحج بتبرعك لها، كما أن الديون التي عليك تقدم على الحج أيضا على ما فصلناه في الفتوى رقم: 307816.

فإن بقي لك من المال ما تكون به مستطيعا وجب عليك أن تحج، ولو ظننت أنك ستترك العمل خلال الأشهر القادمة؛ لأن الحج واجب على الفور على الصحيح من أقوال الفقهاء، وهو المفتى به عندنا، فإذا جاء وقت الحج وكنت تملك من المال زائدا عن حاجاتك الأصلية، ونفقة من تعول خلال ذهابك ورجوعك، فإنه يجب عليك أن تحج، ولم يشترط أهل العلم أن يبقى لك ما تستغني به بعد الحج، بل نصوا على أنه يحج ولو أدى ذلك لافتقاره بعد الحج، كما قال الدردير المالكي في الشرح الكبير: فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، أوْ بِافْتِقَارِهِ: أَيْ وَلَوْ مَعَ افْتِقَارِهِ أَيْ صَيْرُورَتِهِ فَقِيرًا بَعْدَ حَجِّهِ... وقال الخرشي معللاً: لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرُهُ إلَى اللَّهِ. اهــ.

وإنما اشترط الفقهاء أن يكون عنده ما يكفي نفقة عياله وأهله مدة ذهابه وعودته، قال النووي في روضة الطالبين في الفقه الشافعي: فرعٌ يشترط كونُ الزاد والراحلة فاضلا عن نفقة من لزمه نفقتهم وكسوتهم مدة ذهابه ورجوعه... اهـ.

وفي الهداية شرح بداية المبتدي في الفقه الحنفي: الحج واجب على الأحرار البالغين العقلاء الأصحاء إذا قدروا على الزاد والراحلة فاضلا عن المسكن وما لابد منه، وعن نفقة عياله إلى حين عوده. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني