الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترهيب من الجزم بأن الله سيحاسب فلانا على ذنبه أو لا يغفر له

السؤال

أهلًا بكم، شكرًا لما تقدمونه للإسلام.
إن قلتُ لأحدهم -يفسر القرآن بدون علم لنفي بعض الثوابت- والله لتحاسبنّ على ذلك.
هل أقول على الله ما لا أعلم؟ إذا كنت قصدتُ بذلك أنّ الله سيحاسبه على كل فعل، ولم أقل سيأخذ ذنوبا أم حسنات، وإن كنت قلتُ بهذا على الله ما لا أعلم. فما هي التوبة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الحلف على شخص معين بأنه سيحاسَب على عمل ما، يعتبر من القول على الله بغير علم؛ لأنه ليس هناك نص بخصوص هذا الشخص، ولا بخصوص هذا الذنب، فقد يتوب بعد ذلك، فيتوب الله عليه، ويغفر له، وقد يعفو الله عنه ولو لم يتب. فكل ذنب دون الكفر، في مشيئة الله، إن شاء غفره لصاحبه، وإن شاء آخذه. فعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب، والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول: أقصر، فوجده يوما على ذنب، فقال له: أقصر، فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك -أو لا يدخلك الله الجنة- فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالما؟ أو كنت على ما في يدي قادرا؟ وقال للمذنب: اذهب، فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار. قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه، وآخرته. رواه أبو داود وأحمد وابن حبان، وصححه أحمد شاكر والألباني.

وعن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان! وإن الله تعالى قال: "من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك" رواه مسلم.

قال النووي: معنى يتألى: يحلف، والألية اليمين، وفيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة، إذا شاء الله غفرانها. اهـ.

ثم إنه قد ثبت بالنصوص الشرعية أن من الناس من يدخل الجنة بغير حساب، ولا عذاب، ومنهم من يحاسب حسابا يسيرا، فمن ذلك ما في الصحيحين من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، فقالوا: من هم يا رسول الله؟ فقال: الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون. وفي حديث الشفاعة: فيقال: يا محمد؛ أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب. رواه البخاري ومسلم.

والمقصود أن الجزم بأن الله تعالى يحاسب أحدا من خلقه على ذنب معين، يدخل في القول على الله بغير علم، والحلف على ذلك من التألي على الله عز وجل.

وأما عن التوبة مما حصل، فإن باب التوبة مفتوح للعباد دائما، فبادر بالتوبة، وأكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة؛ لقوله تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:39} وقوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام:54}، وقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء:110} وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}.

وقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا. رواه مسلم.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني