الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء على الشيطان ولعنه بين المشروعية والنهي

السؤال

كيف أرد على من يشتم بألفاظ مثل: ( الله يأخذك، الله يقلعك، الله يفشلك ) واستخدام اسمه جل وعلا في صفات كهذه؟ أو كان شخص يلعن الشيطان بقوله: ( الله يلعن شيطانك)؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كنت تريد بيان الحكم الشرعي لمن يقول هاته الكلمات، فإنه لا يجوز الدعاء على الغير إلا إن كان ظالما، قال الله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ {النساء:149}.

وقال القرافي في الفروق: من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر: الدعاء على غير الظالم؛ لأنه سعي في إضرار غير مستحق، فيكون حراما كسائر المساعي الضارة بغير استحقاق. اهـ.

وأما إن كنت تسأل عن حكم ردك على من دعا عليك بهاته العبارات، فإنه تجوز لك مجازاة هذا الصاحب بجنس قوله، ورد سيئته بمثلها، ولكنه ينبغي لك الترفع عن ذلك والعفو والصفح، لقول الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40}، وقوله : وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43}، وقوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {النحل:126}.

وأما عن لعن الشيطان، ففيه تفصيل، فلعنه ثابت في القرآن والسنة، ولكن يُنهى عنه، حيث يوهم نسبة فعل للشيطان ليس له فيه مدخل، كمن عثرت دابته، ونحو ذلك من أنواع الأضرار، فيذكر الشيطان بسب أو لعن، فيتعاظم الشيطان عند ذلك، كما في حديث أبي تميمة عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره، فقلت: تعس الشيطان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقل: تعس الشيطان; فإنك إذا قلت: تعس الشيطان، تعاظم، وقال: بقوتي صرعته، وإذا قلت: بسم الله، تصاغر حتى يصير مثل الذباب. قال ابن كثير في تفسيره: تفرد به أحمد، إسناده جيد قوي. اهـ.

وقد بين الطحاوي في مشكل الآثار سبب هذا النهي فقال: لأنه بذلك موقع للشيطان أن ذلك الفعل كان منه، ولم يكن منه إنما كان من الله جل وعز. اهـ.

وذكر مع ذلك كلاما مطولا، لخصه الملطي في المعتصر من المختصر من مشكل الآثار، فقال: الناس إنما أمروا بالاستعاذة من الشيطان فيما جعل له سلطان عليهم، وهي الوسوسة لتحبيب الشر وتكريه الخير، وإنساء ما يذكرون، وتذكير ما ينسون. وأما إعثار دوابهم، وإهلاك أموالهم، فلا سبب له فيها، فنهوا عن الدعاء عليه عند ذلك؛ لأنه يوهم أن الفعل كان منه ببعيره حتى سقط، والواقع بخلافه. اهـ.

وقال ابن القيم في (زاد المعاد): ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم: تعس الشيطان، فإنه يتعاظم حتى يكون مثل البيت، فيقول: بقوتي صرعته، ولكن ليقل: بسم الله، فإنه يتصاغر حتى يكون مثل الذباب». وفي حديث آخر: «إن العبد إذا لعن الشيطان يقول: إنك لتلعن ملعنا». ومثل هذا قول القائل: أخزى الله الشيطان، وقبح الله الشيطان، فإن ذلك كله يفرحه، ويقول: علم ابن آدم أني قد نلته بقوتي! وذلك مما يعينه على إغوائه، ولا يفيده شيئا، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم من مسه شيء من الشيطان، أن يذكر الله تعالى، ويذكر اسمه ويستعيذ بالله منه، فإن ذلك أنفع له وأغيظ للشيطان. اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 142631، 199871، 155027.

وأما السؤال عن استعمال اسم الله جل وعلا مع الأفعال المذكورة في السؤال (يأخذك . يقلعك . يفشلك) فهذا لا حرج فيه من حيث هو؛ لأن الدعاء على إنسان لا يكون إلا بنحو ذلك، فإن كان الدعاء بحق، فلا حرج، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لمسيلمة الكذاب: لئن أدبرت، ليعقرنك الله. رواه البخاري ومسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني