الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من أخذ من أبيه مالا بالحيلة

السؤال

منذ عدة سنوات، وحتى وقت قريب، كنت آخذ أموالا من أبي، للدروس، ومستلزمات الدراسة. لكنني كنت أطلب منه زيادة، أو من غير احتياج حقيقي لقضاء بعض الاحتياجات الشخصية، غير ما أخبرت به والدي. مع الأخذ في الاعتبار، أن والدي ميسور الحال والحمد لله، ولم يكن لطلبي هذه النقود أي توابع سلبية على والدي، أو أسرتي. وهو ليس ببخيل، لكن مصروفي الشخصي كان ضئيلا للغاية، وأنا لي احتياجات أبي لا يستوعبها دائما، علاوة على ذلك، يشق علي طلب نقود منه كل ما احتجت لشيء، فكنت أستسهل طلبها بأي سبب له علاقة بالدراسة.
منذ فترة، قررت أن أقدر مجمل النقود التي طلبتها منه، وصرفتها في غير ما طلبت. وقررت أن أخرج هذا المبلغ لوجه الله عن والدي. حيث يشق علي أن أواجهه، وهو يثق في ثقة عالية. لكن، هذا المبلغ كثير للغاية، فقد قدرت ما أخذت منه في السنوات الأربع الماضية! رغم أني قمت بإخراج جزء يسير منه، لكن يشق علي إخراج ما تبقي، خاصة الآن وأنا أعمل في وظيفة مؤقتة بجانب دراستي. وكل ما اشتريت شيئا، أو أخرجت صدقة، أتذكر أنها قد اختلطت بأموال والدي، وأشعر أنها حرام، وغير مبارك فيها.
فماذا أفعل؟ هل يجب علي رد هذه الأموال؟ مع مراعاة عدم قدرتي علي مواجهته. وإذا كان يجب علي الرد.
فهل إخراجها في شكل صدقة يجوز؟ وهل يفترض إخراجها دفعة واحدة؟ وهل أي صدقة، أو عمل أقوم به، لا أجزى عليه، حيث إنه قد دخل فيه مال ليس بمالي، حتى أرد المال كله؟
الرجاء التكرم والرد على مسألتي، والتفضل بإعطائي ما يثبت فتواكم من القرآن والسنة النبوية الشريفة، حتى يطمئن قلبي.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما أخذته من أبيك بالكذب والخداع، يلزمك رده إليه، ما لم يبرئك منه. ولا يلزمك إخباره بما كنت تفعل من تحايل عليه، بل يكفيك رد الحق إليه، ولو بطرق غير مباشرة. وليس لك أن تتصدق بالحق عنه، ما أمكن رده إليه، فيسعك أن تضع ما يتيسر لك في جيبه، أو مع ماله، حتى يغلب على ظنك براءة ذمتك مما أخذته. وإذا لم يكن المال لديك جميعا، فادفعه مقسطا حسب قدرتك. فالحقوق المادية لا بد من ردها لأصحابها، أو استحلالهم منها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ويمكنك أن تطلب من أبيك المسامحة، وأن يبرئك مما في ذمتك دون التصريح له بسبب ذلك، ودون سرد تفاصيل ما كنت تعمله. فإن سامحك وأبرأك، برئت ذمتك.

وأما مسألة الصدقة قبل سداد الحق، أو حصول الإبراء منه، فقد فصل فيها الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في المجموع فقال: إذا أراد صدقة التطوع وعليه دين، فقد أطلق المصنف ـ الشيرازي ـ وشيخه أبو الطيب، وابن الصباغ والبغوي وآخرون، أنه لا تجوز صدقة التطوع لمن هو محتاج إلى ما يتصدق به لقضاء دينه، وقال المتولي وآخرون: يكره، وقال الماوردي والغزالي وآخرون: لا يستحب، وقال الرافعي: لا يستحب، وربما قيل: يكره، هذا كلامه، والمختار أنه إن غلب على ظنه حصول الوفاء من جهة أخرى، فلا بأس بالصدقة، وقد تستحب، وإلا فلا تحل، وعلى هذا التفصيل يحمل كلام الأصحاب المطلق. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني