الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل حول: "لا إنكار في مسائل الاجتهاد"

السؤال

قرأت أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، فهل الإنكار غير مشروع حتى بالقلب؟ فمسألة كشف الوجه من مسائل الاجتهاد، فهل لا يشرع أن ننكر حتى بالقلب؟ وهل يشترط للإنكار أن يفهم الشخص المنكر عليه أن ما يفعله خطأ من ناحية دينية؟ فلو أن شخصًا أمامي سَبَّ شخصًا آخر، وقلت له: لا تَسُبَّه، أو لا تقل هكذا، وتوقف عن السَّبِّ، وخطر في ذهنه أني قلت له: لا تَسُب؛ لأني أحبّ الشخص الذي سَبَّه، أو لأن السبّ عيب، فهل إنكاري صحيح، أم لا بد أن يعلم أني قلت له: لا تسبّ؛ لأن ما يفعله خطأ من ناحية دينية، أم إن المهم أن يحصل المقصود، وهو التوقف عن السبّ، وانتهاء المنكر؟
والأمر الآخر: قد يفتيني أحد المشايخ بحرمة شيء من الأشياء، ولا يذكر أن المسالة اجتهادية، فأنكر على من يفعل ذلك، فهل إنكاري غير صحيح؛ لأن المسالة اجتهادية؟ وهل عليَّ إذا أفتاني أحد المشايخ أن أبحث عن المسألة: هل هي اجتهادية أم لا؛ لكيلا أنكر على أحد؟ وهل المقصود بأن لا إنكار في المسائل الاجتهادية أن الإنكار يكون باطلًا، أم إنه صحيح، ولكنه غير واجب؟ وشكرًا لكم على جهودكم، وأحبكم في الله يا مشايخ، وأتمنى أن توضحوا لي ما أشكل عليّ.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمسائل الاجتهاد لا إنكار فيها، بمعنى: أنه لا يُغلَّظ فيها على مرتكب المختلف فيه، ولا يُنهى عن فعله نهيًا جازمًا، لكن إن بيّن له أن الأمر مختلف فيه، وأن الأحسن الخروج من الخلاف؛ فلا حرج.

وكذا إن كان المختلفان ممن يفهمان الحجج والأدلة، فتناقشا، وبين كل منهما ما عنده؛ فهذا حسن، لا بأس به.

ولتكن على علم بأن هذه المسألة اجتهادية، وأن المخالف فيها معذور، وأنه دائر بين الأجر والأجرين؛ لأنه إن كان مجتهدًا، فقد اتّبع ما أدّاه إليه اجتهاده، وإن كان مقلِّدًا، فقد برئت ذمته بتقليد من يثق به، وليس لك أن تحمله على قولك؛ فإن القلب شأنه أن يوافق الظاهر.

وليس لك أن تعتقد أن المختلف فيه منكر مجزوم بنكارته؛ لمخالفة هذا لما هو الواقع في نفس الأمر، وراجع للفائدة الفتوى: 409000.

والمقصود توقف فاعل المنكر عنه، وإعلامه بأن هذا مُحرَّم، يغضب الله تعالى؛ لئلا يعود إليه مستقبلًا؛ فإن كان هذا المحرم معلوم التحريم؛ كالسَّبِّ، فكفى أن تقول له: لا تَسُّب؛ لأن المقصود يتحقق بهذا.

وليس لك أن تنكر لمجرد فتوى عالم، وإن كنت تثق به، دون أن تتحقق من كون المسألة من المسائل التي يسوغ فيها الإنكار، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار، إلا ببيان الحجة، وإيضاح المحجة؛ لا الإنكار المجرد المستند إلى محض التقليد، فإن هذا فعل أهل الجهل والأهواء. انتهى.

فليس لك أن تنكر لمجرد تقليد عالم أفتاك بفتوى؛ حتى يتبين لك أنها من المَحَالِّ التي يسوغ فيها الإنكار.

ومعنى أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد أن المنكر مخطئ في فعله، إلا إن كان إنكاره بالقدر المأذون فيه، وهو بيان الحجة، ومناقشة المسألة، أو الإرشاد إلى الخروج من الخلاف، وأنه أولى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني