الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

درجة الأحاديث والآثار المروية في عدم خلق القرآن

السؤال

شكك البعض ممن ليس له بضاعة في علم الحديث بـأن الأقوال المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة أن القرآن ليس بمخلوق لم تكن صحيحة ؟ أرجو توضيحكم في ذلك بالتفصيل وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن مذهب سلف الأمة قاطبة أن القرآن الكريم كلام الله غير مخلوق، وإنما ظهرت بدعة القول بخلق القرآن بعد عصر الصحابة، ولذلك لم يكن الصحابة يخوضون في هذه القضية، فكانوا يكتفون بوصفهم للقرآن بأنه كلام الله. وأما ما يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام من النص الصريح على أن القرآن غير مخلوق فلا يصح وإن كان هذا المعنى صحيحا.

قال البيهقي في الأسماء والصفات: ونقل إلينا عن أبي الدرداء مرفوعا: القرآن كلام الله غير مخلوق. وروي ذلك أيضا عن معاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم مرفوعا ولا يصح شيء من ذلك. أسانيده مظلمة لا ينبغي أن يحتج بشيء منها ولا أن يستشهد بها، وفيما ذكرناه كفاية.

وقد سرد رحمه الله أدلة كثيرة على ذلك.

وفي المنار المنيف لمحمد بن أبي بكر الحنبلي الدمشقي: إجماع الصحابة والتابعين وجميع أهل السنة وأئمة الفقه على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق وليست هذه الألفاظ حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن روى ذلك عنه فقد غلط.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن قول القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود: وهذا القول صحيح متواتر عن السلف أنهم قالوا ذلك لكن رواية هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب، وعزوه إلى المسند لأحمد كذب ظاهر فإن مسنده موجود وليس هذا فيه. وأحمد إمام أهل السنة في زمن المحنة وقد جرى له في مسألة القرآن ما اشتهر في الآفاق وكان يحتج لأن القرآن كلام الله غير مخلوق بحجج كثيرة معروفة عنه ولم يذكر هذا الحديث قط ولا احتج به فكيف يكون هذا الحديث عنده ولا يحتج به. منهاج السنة النبوية.

وفي الفوائد المجموعة للشوكاني: حديث من قال القرآن مخلوق فقد كفر. روي عن جابر مرفوعا وفي إسناده محمد بن عبد الله بن عامر السمرقندي. وضّاع. وروى ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعا: القرآن كلام الله لا خالق ولا مخلوق من قال غير ذلك فهو كافر. وهو موضوع . ورواه الخطيب بنحوه عن ابن مسعود مرفوعا، وفي إسناده مجاهيل. وقال في الميزان: موضوع. وقد أورده صاحب اللآلئ في أول كتابه وذكر له شواهد وأطال في غير طائل، فالحديث موضوع تجرأ على وضعه من لا يستحي من الله تعالى عند حدوث القول في هذه المسألة في أيام المأمون وصار بذلك على الناس محنة كبيرة وفتنة عمياء صماء، والكلام في مثل هذا بدعة ومنكر لم يرد به في الكتاب ولا في السنة حرف واحد ولا صح عن السلف في ذلك شيء.

وقال ابن عدي: لا يحفظ للصحابة الخوض في القرآن. اللآلي المصنوعة للسيوطي.

وقال محمد بن طاهر المقدسي: لا يعرف للصحابة الخوض في القرآن. ذخيرة الحفاظ.

وقال الألباني في مختصر العلو: قولهم في القرآن الكريم أنه غير مخلوق فإن هذه لا تعرفها الصحابة أيضا وإنما كانوا يقولون فيه: كلام الله تبارك وتعالى لا يزيدون على ذلك وكان ينبغي الوقوف فيه عند هذا الحد لولا قول جهم وأشياعه من المعتزلة: إنه مخلوق، ولكن إذا نطق هؤلاء بالباطل وجب على أهل الحق أن ينطقوا بالحق ولو بتعابير وألفاظ لم تكن معروفة من قبل، وإلى هذه الحقيقة أشار الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين سئل عن الواقفة الذين لا يقولون في القرآن إنه مخلوق أو غير مخلوق هل لهم رخصة أن يقول الرجل: كلام الله ثم يسكت؟ قال: ولم يسكت ؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا لأي شيء لا يتكلمون؟ سمعه أبو داود منه كما في مسائله.

وقد ذكرنا طرفا من الأدلة الصحيحة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق في الفتاوى أرقام: 3988، 61834، 100824.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني