الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التسوية بين الله وبين رسوله لا تستقيم إلا على أصول الزنادقة

السؤال

تابعت في إحدى القنوات (دريم تي في) برنامجًا يقولون للشيخ الحبيب/ على الجفري، وكان يتكلم في مواضيع هامة جداً، منها التوسل للأولياء والصالحين والمساواة بين العبد وربه، وهي على النحو التالي:
كان يقول إن التوسل للأولياء والصالحين مثل المرسي أبي العباس وغيره مثل سيدنا الحسين جائز، وذلك أن الخليفة عمر بن الخطاب توسل بالعباس إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان يقول أيضاً إن الآيات تقول الله ورسوله وإن الرسول بشر ونحن بشر، فنستطيع أن نقول الله وفلان مثلاً، فهذا الكلام بصراحة غريب علينا، فنريد منكم إفادة في هذا الأمر. وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فدين الإسلام قائم على أصلين عظيمين: أن لا يعبد إلا الله وحده، وألا يعبد إلا بما شرعه سبحانه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

والتوسل بالصالحين يراد به أحد أمرين:

الأول: دعاؤهم ونداؤهم والاستغاثة بهم في الخطوب والملمات، وهذا شرك أكبر مخرج من الملة لأنه عبادة لغير الله.

والثاني: دعاء الله بهم، كأن يقول: يا ألله بجاه فلان. وهذا بدعة محدثة، لم يرد في مشروعيتها دليل من كتاب أو سنة أو فعل صحابي.

وعمر رضي الله عنه والصحابة معه إنما توسلوا بالعباس، أي بدعائه وهو حاضر معهم، وهذا من أظهر الأدلة على أنه لا يتوسل بالميت، فقد عدلوا عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق، إلى التوسل بالعباس رضي الله عنه.

وقد سبق بيان هذه الأمور على وجه التفصيل في الفتاوى التالية: 4413، 14955، 3835، 3779.

وأما التسوية بين الله وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن أعظم الضلال والبهتان، إذ كيف يسوى بين الخالق والمخلوق، والرب والمربوب؟!

هذا لا يستقيم إلا على أصول زنادقة المتصوفة الذين يرون أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو التعيُّن الأول للذات الإلهية، فهؤلاء لا فرق عندهم بين الرب والعبد، وهؤلاء أصحاب الحلول والاتحاد. وهذا كفر بالله عز وجل، لا يختلف في ذلك اثنان من أهل الإيمان.

وفي هذا الشأن يقول أحد الصوفية "شأن محمد في جميع تصرفاته شأن الله، فما في الوجود إلا محمد". ويقول: وهذا النور المحمدي هو المعني بروح الله المنفوخ في آدم، فروح الله نور محمد. وانظر كلام الصوفية على الحقيقة المحمدية في "هذه الصوفية" للشيخ عبد الرحمن الوكيل.

وقد جاء النهي عن قول الإنسان: ما شاء الله وشاء محمد، فيما رواه النسائي وأحمد: أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تنددون، وإنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة، ويقولون: ما شاء الله ثم شئت.

وروى ابن ماجه وأحمد عن حذيفة بن اليمان: أن رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أما والله إن كنت لأعرفها لكم، قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد.
فالنهي ليس مبنياً على مجرد الرؤيا، بل هو مبني على أنه علم قبح هذه الكلمة لأنها توهم المساواة. انتهى

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام نفيس في التفريق بين حق الله وحق الرسول صلى الله عليه وسلم، يحسن إيراده في هذا المقام، قال رحمه الله: ولهذا فرق الله سبحانه في كتابه بين ما فيه حق للرسول وبين ما هو حق لله وحده، كما في قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52].
فبين سبحانه ما يستحقه الرسول من الطاعة، فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، وأما الخشية والتقوى فجعل ذلك له سبحانه وحده، وكذلك قوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ [التوبة:59].
فجعل الإيتاء لله والرسول كما في قوله: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].

وأما التوكل والرغبة فلله وحده، كما في قوله تعالى: وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]. ولم يقل ورسوله، وقال: إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ [التوبة:59]. ولم يقل: وإلى الرسول، وذلك موافق لقوله تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ*وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8].
فالعبادة والخشية والتوكل والدعاء والرجاء والخوف لله وحده لا يشركه فيه أحد، وأما الطاعة والمحبة والإرضاء فعلينا أن نطيع الله ورسوله، ونحب الله ورسوله، ونرضي الله ورسوله، لأن طاعة الرسول طاعة لله، وإرضاءه إرضاء لله، وحبه من حب الله.
انتهى من مجموع الفتاوى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني