الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ترتيب السرايا والجيوش واتخاذ الرايات وألوانها 3291 - ( عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { خير الصحابة أربعة ، وخير السرايا أربعمائة ، وخير الجيوش أربعة آلاف ، ولا تغلب اثنا عشر ألفا من قلة } . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال : حديث حسن . وذكر أنه في أكثر الروايات عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، وتمسك به من ذهب إلى أن الجيش إذا كان اثني عشر ألفا لم يجز أن يفر من أمثاله وأضعافه وإن كثروا ) .

                                                                                                                                            3292 - ( وعن ابن عباس قال : { كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض } . رواه الترمذي وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            [ ص: 278 ] وعن سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم قال : { رأيت راية النبي صلى الله عليه وسلم صفراء } . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            3294 - ( وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم { دخل مكة ولواؤه أبيض } . رواه الخمسة إلا أحمد ) .

                                                                                                                                            3295 - ( وعن الحارث بن حسان البكري قال : { قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وبلال قائم بين يديه متقلد بالسيف ، وإذا رايات سود ، فسألت : ما هذه الرايات ؟ فقالوا : عمرو بن العاص قدم من غزاة } . رواه أحمد وابن ماجه ، وفي لفظ : { قدمت المدينة فدخلت المسجد فإذا هو غاص بالناس ، وإذا رايات سود ، وإذا بلال متقلد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : ما شأن الناس ؟ قالوا : يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها } . رواه الترمذي ) .

                                                                                                                                            3296 - ( وعن البراء بن عازب { أنه سئل عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت ؟ قال : كانت سوداء مربعة من نمرة } . رواه أحمد وأبو داود والترمذي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن عباس الأول سكت عنه أبو داود ، واقتصر المنذري في مختصر السنن على نقل كلام الترمذي ، وأخرجه أيضا الحاكم . وقال : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وحديث ابن عباس الثاني أخرج نحوه أبو داود والنسائي .

                                                                                                                                            وفي إسناد حديث الباب يزيد بن حبان أخو مقاتل بن حبان . قال البخاري : عنده غلط كثير . وأخرج البخاري هذا الحديث في تاريخه مقتصرا على الراية .

                                                                                                                                            وحديث سماك في إسناده رجل مجهول ، وهو الذي روى عنه سماك ، ومجهول آخر وهو الذي قال : رأيت راية النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن جهالة الرجل الآخر غير قادحة إن كان صحابيا لما قررنا غير مرة أن مجهول الصحابة مقبول ، وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه صحابي ، لأنه يمكن أنه رأى راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته ، ولم تثبت رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            وحديث جابر أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان . وقال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم [ ص: 279 ] عن شريك . قال : وسألت محمدا ، يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك .

                                                                                                                                            وحديث الحارث بن حسان رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحارث بن حسان فذكره ، وهؤلاء رجال الصحيح . وهذا الحديث إنما أشار إليه الترمذي في كتاب الجهاد إشارة لأنه قال بعد إخراج حديث البراء المذكور ما لفظه : وفي الباب عن علي والحارث بن حسان وابن عباس ، ولم يذكر اللفظ الذي ذكره المصنف ونسبه إليه ، ولعله ذكره في موضع آخر من جامعه .

                                                                                                                                            وحديث البراء قال الترمذي بعد إخراجه : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة انتهى . وفي إسناده أبو يعقوب الثقفي ، واسمه إسحاق بن إبراهيم . قال ابن عدي الجرجاني : روى عن الثقات ما لا يتابع عليه . وقال أيضا : وأحاديثه غير محفوظة ، انتهى .

                                                                                                                                            وفي الباب عن سلمة في الصحيحين : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فأعطاها عليا } وعن يزيد بن جابر الغفري عند ابن السكن قال : { عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم رايات الأنصار وجعلهن صفرا } وعن أنس عند النسائي { أن ابن أم مكتوم كانت معه راية سوداء في بعض مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم } قال المنذري : وهو حديث حسن . وقال ابن القطان : صحيح . وعن أبي هريرة عند ابن عدي ، وعن بريدة عند أبي يعلى ، وعن أنس حديث آخر عند أبي يعلى رفعه : { أن الله أكرم أمتي بالألوية } وإسناده ضعيف . وعن ابن عباس غير ما تقدم عند أبي الشيخ بلفظ { كان مكتوبا على راية النبي صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله محمد رسول الله } وسنده ضعيف أيضا . قوله : ( خير الصحابة أربعة ) فيه دليل على أن خير الصحابة أربعة أنفار ، وظاهره أن ما دون الأربعة من الصحابة موجود فيها أصل الخير من غير فرق بين السفر والحضر .

                                                                                                                                            ولكنه قد أخرج أهل السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : { الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب } وصححه الحاكم وابن خزيمة . وأخرجه أيضا الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه ، وظاهره أن ما دون الثلاثة عصاة : لأن معنى قوله : شيطان : أي عاص . وقال الطبري هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة ، وليس بحرام فالسائر وحده في فلاة ، وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف .

                                                                                                                                            والحق أن الناس يتباينون في ذلك ، فيحتمل أن يكون الزجر عنه لحسم المادة فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك . وقيل في تفسير قوله : " الراكب شيطان : أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان ، أو أشبه الشيطان في فعله . وقيل : إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه ، وكذلك [ ص: 280 ] الاثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد الآخر من يعينه ، بخلاف الثلاثة ففي الغالب تؤمن الوحشة والخشية .

                                                                                                                                            وفي صحيح البخاري عن ابن عمر : { لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده } . وقد ثبت في الصحيح { أن الزبير انتدب وحده ليأتي النبي بخبر بني قريظة } . قال ابن المنير : السير لمصلحة الحرب أخص من السفر ، فيجوز السفر للمنفرد للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالإفراد ، كإرسال الجاسوس والطليعة ، والكراهة لما عدا ذلك ، ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن ، وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة .

                                                                                                                                            وقد وقع في كتب المغازي بعث جماعة منفردين منهم : حذيفة ونعيم بن مسعود وعبد الله بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو بن أمية وسالم بن عمير وبسبسة وغيرهم ، وعلى هذا فوجود أهل الخير في سائر الأسفار غير سفر الحرب ونحوه إنما هو في الثلاثة دون الواحدة والاثنين ، والأربعة خير من الثلاثة كما يدل على ذلك حديث الباب

                                                                                                                                            قوله : ( وخير الجيوش أربعة آلاف ) ظاهر هذا أن هذا الجيش خير من غيره من الجيوش سواء كان أقل منه أو أكثر ، ولكن الأكثر إذا بلغ إلى اثني عشر ألفا لم يغلب من قلة ، وليس بخير من أربعة آلاف وإن كانت تغلب من قلة كما دل على ذلك مفهوم العدد . قوله : ( راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض ) اللواء بكسر اللام والمد هو الراية ويسمى أيضا العلم ، وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه ، كذا في الفتح . وقال أبو بكر بن العربي : اللواء غير الراية ، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه ، والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح . وقيل : اللواء دون الراية . وقيل اللواء : العلم الضخم والعلم : علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار ، والراية يتولاها صاحب الحرب ، وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم الألوية وأورد حديث جابر المتقدم ثم ترجم الرايات وأورد حديث البراء المتقدم أيضا . قوله : ( من نمرة ) هي ثوب حبرة . قال في القاموس : النمرة بالضم النكتة من أي لون كان والأنمر : ما فيه نمرة بيضاء وأخرى سوداء ، ثم قال : والنمرة : الحبرة ، وشملة فيها خطوط بيض وسود ، أو بردة من صوف يلبسها الأعراب انتهى .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية