الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها الجمع بين القرابة 2704 - ( عن أبي هريرة قال : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها } رواه الجماعة وفي رواية : { نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها } رواه الجماعة إلا ابن ماجه والترمذي ولأحمد والبخاري والترمذي من حديث جابر مثل اللفظ الأول ) .

                                                                                                                                            [ ص: 175 ] وعن ابن عباس : أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها بعد طلقتين وخلع ) .

                                                                                                                                            2706 - ( وعن رجل من أهل مصر كانت له صحبة يقال له جبلة : أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها رواهما الدارقطني قال البخاري : وجمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي هريرة قال ابن عبد البر : أكثر طرقه متواترة عنه ، وزعم قوم أنه تفرد به وليس كذلك وقال البيهقي عن الشافعي : إن هذا الحديث لم يرو من وجه يثبته أهل الحديث إلا عن أبي هريرة وروي من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث قال البيهقي : هو كما قال : قد جاء من حديث علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة وليس فيها شيء على شرط الصحيح ، وإنما اتفقا على إثبات حديث أبي هريرة وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر ، وبين الاختلاف على الشعبي فيه ، قال : والحفاظ يروون رواية عاصم خطأ ، والصواب رواية ابن عون وداود بن أبي هند انتهى قال الحافظ : وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري ; لأن الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة وللحديث طريق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر وقول من نقل عنهم البيهقي تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له ، وكفى بتخريج البخاري له موصولا قوة قال ابن عبد البر : كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة ، يعني من وجه يصح ، وكأنه لم يصح حديث الشعبي عن جابر ، وصححه عن أبي هريرة ، والحديثان جميعا صحيحان قال الحافظ : وأما من نقل البيهقي أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك الترمذي بقوله : وفي الباب ، لكن لم يذكر ابن مسعود ولا ابن عباس ولا أنسا وزاد بدلهم أبا موسى وأبا أمامة وسمرة قال : ووقع لي أيضا من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود قال : وأحاديثهم موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وأبي يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم ، ولولا خشية التطويل لأوردتها مفصلة ، قال : لكن في لفظ حديث ابن عباس عند أبي داود أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين وفي رواية عند [ ص: 176 ] ابن حبان { نهي أن تزوج المرأة على العمة والخالة وقال : إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن } انتهى

                                                                                                                                            وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة } وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة .

                                                                                                                                            وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن وأحاديث الباب تدل على تحريم الجمع بين من ذكر في حديث أبي هريرة ; لأن ذلك هو معنى النهي حقيقة ، وقد حكاه الترمذي عن عامة أهل العلم ، وقال : لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك ، وكذلك حكاه الشافعي عن جميع المفتين وقال : لا اختلاف بينهم في ذلك وقال ابن المنذر : لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم ، وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج ، وهكذا حكى الإجماع القرطبي واستثنى الخوارج قال : ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين ، وهكذا نقل الإجماع ابن عبد البر ولم يستثن ونقله أيضا ابن حزم واستثنى عثمان البتي

                                                                                                                                            ونقله أيضا النووي واستثنى طائفة من الخوارج والشيعة ونقله ابن دقيق العيد عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف وحكاه صاحب البحر عن الأكثر وحكي الخلاف عن البتي وبعض الخوارج والروافض واحتجوا بقوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وحملوا النهي المذكور في الباب على الكراهة فقط ، وجعلوا القرينة ما في حديث ابن عباس من التعليل بلفظ : " فإنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن " وقد رواه ابن حبان هكذا بلفظ الخطاب للنساء وفي رواية ابن عدي بلفظ الخطاب للرجال

                                                                                                                                            والمراد بذلك أنه إذا جمع الرجل بينهما صارا من نسائه كأرحامه فيقطع بينهما بما ينشأ بين الضرائر من التشاحن ، فنسب القطع إلى الرجل لأنه السبب وأضيف إليه الرحم لذلك وحديث ابن عباس هذا المصرح بالعلة في إسناده أبو حزير بالحاء المهملة ثم الزاي اسمه عبد الله بن حسين وقد ضعفه جماعة ولكنه قد علق له البخاري ووثقه ابن معين وأبو زرعة قال في التلخيص فهو حسن الحديث ، ويقويه المرسل الذي ذكرنا

                                                                                                                                            قالوا : ولا شك أن مجرد مخافة القطيعة لا يستلزم حرمة النكاح وإلا لزم حرمة الجمع بين بنات عمين وخالين لوجود علة النهي في ذلك ، ولا سيما مع التصريح بذلك كما في مرسل عيسى بن طلحة ، فإنه يعم جميع القرابات وأجيب بأن قطيعة الرحم من الكبائر بالاتفاق ، فما كان مفضيا إليها من الأسباب يكون محرما ، وأما الإلزام بتحريم الجمع بين سائر القرابات فيرده الإجماع على خلافه ، فهو مخصص لعموم العلة أو لقياسها وأما قوله تعالى: { وأحل لكم ما وراء ذلكم } فعموم مخصص بأحاديث الباب

                                                                                                                                            قوله : ( وجمع عبد الله بن جعفر ) هذا وصله البغوي في الجعديات وسعيد بن منصور من وجه آخر ، وبنت علي هي زينب ، وامرأته [ ص: 177 ] هي ليلى بنت مسعود النهشلية وفي رواية سعيد بن منصور أن بنت علي هي أم كلثوم بنت فاطمة ، ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم ; لأنه تزوجهما عبد الله بن جعفر واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته وقد وقع مبينا عند ابن سعد وحكى البخاري عن ابن سيرين أنه قال : لا بأس به ، يعني الجمع بين زوجة الرجل وبنته من غيرها ووصله سعيد بن منصور بسند صحيح ، والأثر عن الرجل الذي من أهل مصر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة مطولا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد أن عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته : أي من غيرها قال أيوب : فسئل عن ذلك ابن سيرين فلم ير به بأسا وقال : نبئت أن رجلا كان بمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها وروى البخاري عن الحسن البصري أنه كرهه مرة ، ثم قال : لا بأس به ، ووصله الدارقطني وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه كرهه وعن سليمان بن يسار ومجاهد والشعبي أنهم قالوا : لا بأس به واعتبرت الهادوية في الجمع المحرم أن يكون بين من لو كان أحدهما ذكرا حرم على الآخر من الطرفين ، وزوجة الرجل وابنته من غيرها التحريم إنما هو من طرف واحد ; لأنا لو فرضنا البنت رجلا حرمت عليه امرأة أبيه ، بخلاف ما لو فرضنا امرأة الأب رجلا فإنه أجنبي عن البنت ضرورة فتحل له وحكى البخاري عن الحسن بن الحسن بن علي أنه جمع بين ابنتي عم ، وكره جابر بن زيد القطيعة وليس فيه تحريم لقوله : { وأحل لكم ما وراء ذلكم }

                                                                                                                                            وحكي في الفتح عن ابن المنذر أنه قال : لا أعلم أحدا أبطل هذا النكاح ، قال : وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مثل هذا أن يحرمه




                                                                                                                                            الخدمات العلمية