الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( ودية المسلم والذمي سواء ) وقال الشافعي رحمه الله : دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم ، وقال مالك رحمه الله : دية اليهودي والنصراني ستة آلاف درهم ، لقوله عليه الصلاة والسلام : { عقل الكافر نصف عقل المسلم }والكل عنده اثنا عشر ألفا ، [ ص: 386 ]

                                                                                                        وللشافعي رحمه الله ما روي : { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية النصراني واليهودي أربعة آلاف درهم ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم }. [ ص: 387 ] وما رواه الشافعي رحمه الله ، لم يعرف راويه ولم يذكر في كتب الحديث ، وما رويناه أشهر مما رواه مالك رحمه الله ، فإنه ظهر به عمل الصحابة رضي الله عنهم والله أعلم .

                                                                                                        ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار } ، [ ص: 388 - 390 ] وكذلك قضى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السابع : قال عليه السلام : { عقل الكافر نصف عقل المسلم }; قلت : روي من حديث ابن عمرو ; ومن حديث ابن عمر . [ ص: 386 ] فحديث ابن عمرو :

                                                                                                        أخرجه أصحاب السنن الأربعة ، فأبو داود عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : دية المعاهد نصف دية الحر }انتهى . والترمذي عن أسامة بن زيد الليثي عن عمرو به { : دية عقل الكافر ، نصف عقل المسلم } ، وقال : حديث حسن ، والنسائي كذلك ، ولفظه : { عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين ، وهم اليهود والنصارى } ، وفي لفظ : { عقل الكافر نصف عقل المؤمن }. وابن ماجه عن عبد الرحمن بن عياش عن عمرو به { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين ، وهم اليهود ، والنصارى }انتهى . وبسند أبي داود ومتنه رواه أحمد ، وابن راهويه ، والبزار في " مسانيدهم " ، ولفظ ابن راهويه قال : { دية الكافر ، والمعاهد نصف دية الحر المسلم }انتهى . وأما حديث ابن عمر :

                                                                                                        أخرجه الطبراني في " معجمه الوسط " عن النضر بن عبد الله عن الحسن بن صالح عن أشعث عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دية المعاهد نصف دية المسلم }انتهى . الحديث الثامن :

                                                                                                        روي { أنه عليه السلام جعل دية اليهود والنصارى أربعة آلاف }; قلت : رواه عبد الرزاق في " مصنفه في كتاب العقول " أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن شعيب ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم قتل رجلا من أهل الكتاب أربعة آلاف درهم }انتهى .

                                                                                                        ومن طريق عبد الرزاق . رواه الدارقطني في " سننه " ، وزاد : { وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عقل أهل الكتاب من اليهود والنصارى على النصف من عقل المسلمين }انتهى وهو معضل . [ ص: 387 ] قوله في الكتاب : إن هذا الحديث لم يعرف راويه ، ولم يوجد في كتب الحديث ، فيه نظر .

                                                                                                        الآثار : فيه عن عمر ; وعثمان : فحديث عمر ، رواه الشافعي في " مسنده " أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور عن ثابت عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قضى في اليهودي والنصراني أربعة آلاف ، وفي المجوسي ثمانمائة ; ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " ، ثم روى من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن إياس بن معاوية ، قال : قال ، سعيد بن المسيب : إني لأذكر يوم نعى عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني على المنبر انتهى .

                                                                                                        وكأنه يشير بهذا إلى أن سعيدا عن عمر غير منقطع ، رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن أبي المقدام عن ابن المسيب ; ورواه ابن أبي شيبة حدثنا ابن مسهر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي المليح عن عمر بنحوه ، وإليه أشار الترمذي في " كتابه " بقول : وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم انتهى . وحديث عثمان :

                                                                                                        رواه الشافعي أيضا أخبرنا ابن عيينة عن صدقة بن يسار عن سعيد بن المسيب ، قال : قضى عثمان في دية اليهودي ، والنصراني بأربعة آلاف درهم انتهى .

                                                                                                        وكذلك رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " أخبرنا ابن عيينة به سواء ، وأخرج نحوه عن عكرمة ، والحسن ، وعطاء ، ونافع ، وعمرو بن دينار .

                                                                                                        الحديث التاسع : { قال عليه السلام : دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار }; [ ص: 388 ] قلت : أخرجه أبو داود في المراسيل عن سعيد بن المسيب ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار }انتهى .

                                                                                                        ووقفه الشافعي في " مسنده " على سعيد ، فقال : أخبرنا محمد بن الحسن ثنا محمد بن يزيد ثنا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، قال : دية كل معاهد في عهده ألف دينار انتهى . أحاديث الباب :

                                                                                                        أخرج الترمذي عن أبي سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى العامريين بدية المسلمين ، وكان لهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وأبو سعد البقال اسمه سعيد بن المرزبان ، انتهى . وسعيد بن مرزبان فيه لين ، قال الترمذي في " علله الكبير " : قال البخاري : هو مقارب الحديث ، وقال ابن عدي : هو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه الدارقطني في " سننه في الحدود " عن أبي كرز ، قال : سمعت نافعا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { ودى ذميا دية مسلم }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : وأبو كرز هذا متروك الحديث ، ولم يروه عن نافع غيره ، واسمه عبد الله بن عبد الملك الفهري انتهى . وأعاده قريبا منه بالإسناد المذكور { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : دية ذمي دية [ ص: 389 ] مسلم } ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه الدارقطني أيضا عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دية المعاهد كدية المسلم }انتهى . وقال : عثمان الوقاصي متروك انتهى .

                                                                                                        حديث آخر :

                                                                                                        رواه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة ثنا الهيثم بن أبي الهيثم { أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، قالوا : دية المعاهد دية الحر المسلم } ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه أبو داود في " مراسيله " بسند صحيح عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، قال : { كان عقل الذمي مثل عقل المسلم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر ، وزمن عمر ، وزمن عثمان ، حتى كان صدرا من خلافة معاوية ، فقال معاوية : إن كان أهله أصيبوا به ، فقد أصيب به بيت مال المسلمين ، فاجعلوا لبيت المال النصف ، ولأهله النصف خمسمائة دينار ، ثم قتل آخر من أهل الذمة ، فقال معاوية : لو أنا نظرنا إلى هذا الذي يدخل بيت مال المسلمين ، فجعلناه وضيعا عن المسلمين ، وعونا لهم ، قال : فمن هنالك وضع عقلهم إلى خمسمائة } ، قال أبو داود : رواه ابن إسحاق ، ومعمر عن الزهري ، نحوه .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن بركة بن محمد الحلبي ثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة { أن الدية كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، دية المسلم ، واليهودي ، والنصراني سواء ، فلما استخلف معاوية صير دية اليهودي ، والنصراني على النصف ، فلما استخلف عمر بن عبد العزيز رده إلى القضاء الأول }انتهى .

                                                                                                        وأعله ببركة الحلبي ، وقال : سائر أحاديثه باطلة انتهى .

                                                                                                        حديث آخر :

                                                                                                        رواه عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن يعقوب بن عتبة ، وإسماعيل بن محمد ، وصالح ، قالوا : { عقل كل معاهد من أهل الكفر ، كعقل المسلمين ، جرت بذلك السنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى [ ص: 390 ] الآثار : روى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبر ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن مسعود ، قال : دية المعاهد مثل دية المسلم انتهى .

                                                                                                        وقال ذلك علي أيضا انتهى . ومن طريقه رواه الطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه " ، وأخرجه البيهقي عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود نحوه ، وقال : هما منقطعان ، إلا أن كلا منهما يعضد الآخر ، انتهى .

                                                                                                        حديث آخر :

                                                                                                        رواه عبد الرزاق أيضا أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلا قتل رجلا من أهل الذمة ، فرفع إلى عثمان فلم يقتله ، وجعل عليه ألف دينار انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه الدارقطني في " سننه " حدثنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن أحمد ثنا رحمويه ثنا إبراهيم بن سعد ثنا ابن شهاب أن أبا بكر ، وعمر رضي الله عنهما يجعلان دية اليهودي ، والنصراني المعاهدين دية الحر المسلم ، انتهى وأخرج ابن أبي شيبه نحوه عن علقمة ، ومجاهد ، وعطاء ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه عبد الرزاق أخبرنا أبو حنيفة عن الحكم بن عتيبة عن علي ، قال : دية كل ذمي مثل دية المسلم ، قال أبو حنيفة : وهو قولي انتهى .

                                                                                                        قوله : وبذلك قضى أبو بكر ، وعمر ، وبه ظهر عمل الصحابة أجمعين ; قلت : روى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن الزهري ، قال : { كان دية اليهودي ، والنصراني في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مثل دية المسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فلما كان معاوية أعطى أهل القتيل النصف ، وألقى النصف في بيت المال ، ثم قضى عمر بن عبد العزيز في النصف ، وألقى ما كان جعل معاوية } ، قال الزهري : ولم يقض أن أذاكر عمر بن عبد العزيز ، فأخبره أن الدية كانت تامة لأهل الذمة ، قلت للزهري : بلغني أن ابن المسيب ، قال : ديته أربعة آلاف ، فقال : إن خير الأمور ما عرض على كتاب الله ، قال الله تعالى : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ، فدية مسلمة إلى أهله }انتهى .

                                                                                                        [ ص: 391 ] ورواه البيهقي ، وقال : وقد رده الشافعي بكونه مرسلا انتهى . قلنا : يلزم الشافعي أن يعمل بمثله ; لأنه أرسل من جهة أخرى ، كما رواه أبو داود في " مراسيله " عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، كما تقدم ، لا سيما وقد عملت به الصحابة ، مثل أبي بكر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وعلي بن أبي طالب ، حيث روي عنه ، إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا ، وأموالهم كأموالنا ، ويوجد في بعض نسخ " الهداية " ، وبذلك قضى العمران ، فيحتمل أنه أراد أبا بكر ، وعمر ، ويؤيده التصريح بهما في النسخة الأخرى ، ويحتمل أنه أراد عمر بن الخطاب ، وعمر بن عبد العزيز ، وكثيرا ما يفعل أصحابنا ذلك ، وقد ذكرنا الرواية عنه .




                                                                                                        الخدمات العلمية