الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 40 ] باب في فضيلة الاشتغال بالعلم ، وتصنيفه ، وتعلمه ، وتعليمه ، والحث عليه ، والإرشاد إلى طرقه قد تكاثرت الآيات ، والأخبار ، والآثار ، وتواترت ، وتطابقت الدلائل الصريحة ، وتوافقت ، على فضيلة العلم ، والحث على تحصيله ، والاجتهاد في اقتباسه ، وتعليمه . وأنا أذكر طرفا من ذلك ، تنبيها على ما هنالك ، قال الله تعالى : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } ، وقال تعالى : { وقل رب زدني علما } ، وقال تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } ، وقال تعالى { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } ، والآيات كثيرة معلومة ، وروينا عن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين } رواه البخاري ، ومسلم ، وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن مثل ما بعثني الله به من الهدى ، والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ ، والعشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا منها ، وسقوا ، وزرعوا ، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك الماء ، ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، ونفعه بما بعثني الله به ، فعلم ، وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به } رواه البخاري ، ومسلم

                                      وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ، ويعلمها } . روياه ، والمراد بالحسد الغبطة ، وهي أن يتمنى مثله . ومعناه ينبغي أن لا يغبط أحدا إلا في هاتين الموصلتين إلى رضاء الله تعالى .

                                      وعن سهل بن سعد رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه : فوالله لأن يهدي الله بك رجلا ، واحدا خير لك من حمر النعم } روياه ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم } رواه مسلم .

                                      وعن أبي هريرة رضي الله عنه [ ص: 41 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له } رواه مسلم .

                                      وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع } رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن . وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ، وملائكته ، وأهل السموات ، والأرض حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير } رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة } رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن . وعن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد } رواه الترمذي ، وعن أبي هريرة مثله ، وزاد : { لكل شيء عماد ، وعماد هذا الدين الفقه ، وما عبد الله بأفضل من فقه في الدين } وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله ، وما والاه ، وعالما ومتعلما } رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع ، أجنحتها لطالب العلم رضاء ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ، ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ، ولا درهما وإنما ، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر } رواه أبو داود ، والترمذي ، وغيرهما ، وفي الباب أحاديث كثيرة ، وفيما أشرنا إليه كفاية .

                                      وأما الآثار عن السلف فأكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر ، لكن نذكر منها أحرفا متبركين ، مشيرين إلى غيرها ، ومنبهين : عن علي رضي الله عنه : " كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه ، ويفرح إذا نسب إليه ، وكفى بالجهل ذما أن يتبرأ منه من هو فيه " . ، وعن معاذ رضي الله عنه : " تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه من لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة " قال أبو مسلم الخولاني : " مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء إذا بدت للناس اهتدوا بها ، واذا خفيت عليهم تحيروا " .

                                      [ ص: 42 ] عن وهب بن منبه قال : " يتشعب من العلم الشرف ، وإن كان صاحبه دنيئا ، والعز ، وإن كان مهينا ، والقرب وإن كان قصيا ، والغنى وإن كان فقيرا ، والنبل وإن كان حقيرا ، والمهابة وإن كان وضيعا ، والسلامة وإن كان سفيها " . وعن الفضيل قال : " عالم عامل بعلمه يدعى كبيرا في ملكوت السموات " . وقال غيره : " أليس يستغفر لطالب العلم كل شيء أفكهذا منزلة ؟ " ، وقيل : العالم كالعين العذبة نفعها دائم ، وقيل : العالم كالسراج من مر به اقتبس ، وقيل : العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، وهو يدفع عنك ، وأنت تدفع عن المال ، وقيل : العلم حياة القلوب من الجهل ، ومصباح البصائر في الظلم ، به تبلغ منازل الأبرار ، ودرجات الأخيار ، والتفكر فيه ، ومدارسته ترجح على الصلاة ، وصاحبه مبجل مكرم ، وقيل : مثل العالم مثل الحمة تأتيها البعداء ويتركها الأقرباء فبينا هي كذلك إذ غار ماؤها ، وقد انتفع بها ، وبقي قوم يتفكنون أي يتندمون . قال أهل اللغة الحمة بفتح الحاء عين ماء حار يستشفى بالاغتسال فيها ، وقال الشافعي رحمه الله : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة ، وقال : ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم ، وقال : من أراد الدنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ، وقال : من لا يحب العلم فلا خير فيه فلا يكن بينك ، وبينه معرفة ، ولا صداقة ، وقال : العلم مروءة من لا مروءة له ، وقال : إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله فليس لله ولي ، وقال : ما أحد أورع لخالقه من الفقهاء ، وقال : من تعلم القرآن عظمت قيمته ومن نظر في الفقه نبل قدره ، ومن نظر في اللغة رق طبعه ، ومن نظر في الحساب جزل رأيه ، ومن كتب الحديث قويت حجته ، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه ، وقال البخاري رحمه الله في أول كتاب الفرائض من صحيحه قال عقبة بن عامر : رضي الله عنه " تعلموا قبل الظانين " قال البخاري يعني الذين يتكلمون بالظن ، ومعناه تعلموا العلم من أهله المحققين الورعين قبل ذهابهم ، ومجيء قوم يتكلمون في العلم بمثل نفوسهم ، وظنونهم التي ليس لها مستند شرعي

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية