الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خالف مفتيه ورمي الجمار بعد طلوع شمس يوم النحر

السؤال

هل يجب دم على من خالف مفتي بلده فى هذه المسألة: مفتى البلاد عندنا أفتى بأن رمي الجمرات له وقت بداية وليس له وقت نهاية بمعنى أن الرمى يبدأ من زوال يوم النحر إلى آخر أيام التشريق بشرط أن لا يكون بين الرميتين أقل من 24 ساعة، لكن أنا عملت بفتواكم رقم (رقـم الفتوى: 7364): عنوان الفتوى: أوقات رمي الجمار.
يوم النحر رميت مباشرة بعد الشروق بحوالى عشر دقائق أي قبل ارتفاع الشمس قيد رمح. وبعد الزوال فى يومي التشريق لأنى كنت متعجلا. ماذا على لأني خالفت رأى المفتي فى الرمى يوم النحر، هل يجب دم لأن رأيه يرفع الخلاف وملزم أم ليس علي شىء؟ بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أولاً أن فتوى المفتي لا ترفع الخلاف، ولا تمتنع مخالفتها إذا كان مخالفها إنما يخالفها عن دليل صحيح، فالأخذ بفتوى المفتي غير متعين، بخلاف حكم الحاكم فإنه هو الذي يرفع الخلاف ولا تسوغ مخالفته. وهذا أحد الفروق بين المفتي والحاكم.

قال المحقق ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: المفتي أقرب إلى السلامة من القاضي لأنه لا يلزم بفتواه وإنما يخبر بها من استفتاه فإن شاء قبل قوله وإن شاء تركه، وأما القاضي فإنه يلزم بقوله فيشترك هو والمفتي في الإخبار عن الحكم ويتميز القاضي بالإلزام والقضاء فهو من هذا الوجه خطره أشد. انتهى.

وإذا علمت هذا تبين لك أنه ليس على من خالف فتوى أحد المفتين لفتوى مفت آخر حرج ولا إثم فضلاً عن أن يلزمه دم، وأما الكلام المنسوب إلى هذا المفتي فليس صحيحاً بالمرة، فإن رمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس مجزئ إجماعاً، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويبدأ الرمي في أيام التشريق بعد الزوال عند الجمهور، ويمتد إلى غروب الشمس وقيل إلى الفجر، ففي أي وقت رمي أجزأه رميه، دون تحديد وقت بين الرميتين ما دام قد رمى في وقت يجزئ فيه الرمي، وما فعلته من الرمي في يوم النحر بعد طلوع الشمس هو السنة، وهو يجزيك بلا شك ولا ريب.

قال الموفق في المغني في بيان وقت رمي جمرة العقبة في يوم النحر: ولرمي هذه الجمرة وقتان: وقت فضيلة ووقت إجزاء، فأما وقت الفضيلة فبعد طلوع الشمس قال ابن عبد البر: أجمع علماء المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه وسل إنما رماها ضحى ذلك اليوم. وقال جابر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر وحده، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس. أخرجه مسلم. وقال ابن عباس: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على أحمرات لنا من جمع فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول: أبني عبد المطلب لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس. رواه ابن ماجه. وكان رميها بعد طلوع الشمس يجزئ بالإجماع وكان أولى. وأما وقت الجواز فأوله نصف الليل من ليلة النحر وبذلك قال عطاء وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد والشافعي، وعن أحمد أنه يجزئ بعد الفجر قبل طلوع الشمس وهو قول مالك وأصحاب الرأي وإسحاق وابن المنذر، وقال مجاهد والثوري والنخعي لا يرميها إلا بعد طلوع الشمس لما روينا من الحديث. فعرفت بهذا أن الرمي بعد طلوع الشمس مجزئ إجماعاً وإنما الخلاف في جواز الرمي قبل ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات