الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاعتمار بمال الرشوة

السؤال

موظف بنك يتلقى رشاوى نقدية، وعينية، ومن ضمن تلك الرشاوى أن يقوم أحد العملاء بإعطاء ذلك الموظف عمرة إلى بيت الله الحرام؛ وذلك لتسهيل عمليات مالية وائتمانية، فما حكم تلك العمرة بالنسبة للعميل، وموظف البنك من حيث الحكم والقبول؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالراشي، والمرتشي ملعونان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا العميل الذي يدفع الرشوة، مستوجب للعنة الله تعالى، فيجب عليه البدار بالتوبة من هذا الإثم العظيم، وهذا المرتشي كذلك فاعل لذنب عظيم، وكبيرة موبقة -عياذًا بالله-.

وعمرته وإن صحت، لكن ثوابه قد يحبط؛ لكون نفقته فيها محرمة -إذا كانت الرشوة نفقة العمرة-.

ومن أعظم أسباب بر الحج والعمرة: كونهما بنفقة طيبة، وإلا فصاحبهما إلى الوِزْر، والمعصية أقرب، قال ابن رجب -رحمه الله-: ومن أعظم ما يجب على الحاج: اتقاؤه من الحرام، وأن يطيب نفقته في الحج، وأن لا يجعلها من كسب حرام، وقد خرّج الطبراني، وغيره من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "إذا خرج الرجل حاجًّا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور، غير مأزور. وإذا خرج بالنفقة الخبيثة، فوضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك، ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور".

مات رجل في طريق مكة، فحفروا له، فدفنوه، ونسوا الفأس في لحده، فكشفوا عنه التراب ليأخذوا الفأس، فإذا رأسه وعنقه قد جمعا في حلقة الفأس، فردوا عليه التراب، ورجعوا إلى أهله، فسألوهم عنه، فقالوا: صحب رجلًا، فأخذ ماله، فكان منه يحج، ويغزو.

إذا حججت بمال أصله سحت ... فما حججت ولكن حجت العير

لا يقبل الله إلا كل طيبة ... ما كل من حج بيت الله مبرور. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ومنها: أن يكون الحج بمال حلال، فإن الحج بمال حرام محرم، لا يجوز، بل قد قال بعض أهل العلم: إن الحج لا يصحّ في هذه الحالة، ويقول بعضهم:

إذا حججت بمال أصله سحت ... فما حججت ولكن حجّت العير.

يعني: حجت الإبل. انتهى.

فعلى هذا الشخص؛ أن يتوب إلى الله، وألا يقبل تلك الرشوة.

وإن كان قبلها، فعليه أن يردها على صاحبها، وإلا فاعتماره والحال هذه في صحته خلاف، وهو وإن صح فوِزره عظيم، وذنبه جسيم؛ لما تعاطاه من المحرم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة