الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوقت الذي يشرع فيه التلبية بالنسك

السؤال

ما ذكرتموه في الفتوى رقـم الفتوى : 115595، عنوان الفتوى : ما يقوله من يريد الحج متمتعا.
هل التلبية قبل الغسل ولبس الإحرام أم التلبية بعد الغسل ولبس الإحرام أم عند لبس الإحرام أي ما هو وقت التلبية؟ وكيف يكون التلفظ بنية العمرة والحج استحبابا بينما الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالقول لبيك عمرة أو لبيك حج ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما عن وقت الإحرام ومتى يشرع فاعلم أن المشروع لمريد الإحرام أن يغتسل ثم يتنظف ويتطيب ثم يصلي ركعتين ويلبس ثوبين ويسن أن يكونا أبيضين، ثم يهل بالنسك بعد ذلك أو ينوي الدخول في النسك، ويستحب مع هذه النية أن يلبي مسميا النسك الذي يريده، ولو أحرم قبل نزع ثيابه المخيطة صح إحرامه وحرم عليه استدامة لبس المخيط.

قال النووي في المنهاج مبينا صفة الإحرام ومتى يستحب أن يهل بالنسك: وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ، فَإِنْ عَجَزَ تَيَمَّمَ،وَأَنْ يُطَيِّبَ بَدَنَهُ لِلْإِحْرَامِ، وَكَذَا ثَوْبُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا بِطِيبٍ لَهُ جُرْمٌ، وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ لِإِحْرَامِهِ عَنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ وَيَلْبَسُ إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ وَنَعْلَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَوْ تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ مَاشِيًا، وَفِي قَوْلٍ يُحْرِمُ عَقِبَ الصَّلَاةِ. انتهى بتصرف.

فأما وقت التلبية فالمشروع للمحرم أن يبتدئ التلبية عقب إحرامه وقيل حين يستوي على الدابة، وذلك يكون بعد غسله وتنظفه ولبسه ثياب الإحرام وصلاته الركعتين.

قال ابن قاسم رحمه الله في حاشية الروض: والأصح: أن السنة ابتداء التلبية عقب إحرامه، قدمه وجزم به في الإقناع، وصححه في شرحه. وعن سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: عجبًا لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله. فقال إني لأعلم الناس بذلك، إنما كانت منه حجة واحدة، فمن هناك اختلفوا، لما صلى في مسجد ذي الحليفة أوجب في مجلسه، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام، فحفظوا عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل، فأدرك ذلك أقوام، فحفظوا عنه، وذكر لما علا على البيداء، وأيم الله لقد أوجبه في مصلاه. فأزال الإشكال رضي الله عنه. قال الشيخ: يلبي من حين يحرم، سواء ركب دابته أو لم يركبها، وإن أحرم بعد ذلك جاز. انتهى.

وأما حكم التلبية فمختلف فيه بين العلماء، ومذهب الحنابلة والشافعية أنها سنة، وحملوا الأمر بها على الندب، وبين ابن قدامة مذاهب العلماء في التلبية ووجه حمل الأمر على الندب فقال رحمه الله: وليست واجبة وبهذا قال الحسن بن حي والشافعي، وعن أصحاب مالك أنها واجبة يجب بتركها دم، وعن الثوري وأبي حنيفة أنها من شرط الإحرام لا يصح إلا بها كالتكبير للصلاة ولنا أنها ذكر فلم تجب في الحج كسائر الأذكار وفارق الصلاة فإن النطق يجب في آخرها فوجب في أولها والحج بخلافه. انتهى بتصرف.

وننبه ههنا إلى أن بعض أهل العلم منع أن يكون الجهر بالتلبية تلفظا بالنية.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وهنا مسألة: إذا قال قائل: قول المُلَبِّي: لبّيك اللهم عمرة، ولبيك حجّاً، ولبّيك اللهم عمرة وحجّاً، أليس هذا نطقاً بالنّية؟

فالجواب: لا، هذا من إظهار شعيرة النُّسك، ولهذا قال بعض العلماء: إن التلبية في النسك كتكبيرة الإحرام في الصلاة، فإذا لم تلبِّ لم ينعقد الإحرام، كما أنه لو لم تكبر تكبيرة الإحرام للصلاة ما انعقدت صلاتك. ولهذا ليس من السنّة أن نقول ما قاله بعضهم: اللهم إني أريد نسك العمرة، أو أريد الحج فيسّره لي، لأن هذا ذكر يحتاج إلى دليل ولا دليل. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة