الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم بيع ذبائح الهدي وأكل الأغنياء منها

السؤال

في أيام الحج تكثر الذبائح في مكة المكرمة، وبعض الحجاج يتركون الذبائح للجزارين في المسلخ، ويقوم الجزار ببيع الذبيحة بسعر زهيد جداً. فهل يجوز الشراء منها أم لا؟
كما يوجد بعض أصحاب الحملات يوزعون الذبائح بدون مقابل مخافة التلف. فهل يجوز الأخذ من هذه الذبائح؟ علمًا بأننا من أهل مكة المكرمة.
أفتونا مأجورين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهدي التمتع والقران الواجبان يجب أن يذبحا في الحرم ويوزعا على أهله، وكذا الهدي الواجب لترك واجب أو فعل محظور، ولذلك فإنه يحرم على الجزارين وغيرهم أخذ شيء منها لبيعها، ولا يحل الشراء منهم لمن علم بحقيقة الأمر، بل الواجب نصحهم وردعهم عن هذا الفعل، ولكن هل للأغنياء الذين في الحرم الأكل منها، سواء أعطي لهم من قبل بعض الحملات أم أخذوه بأنفسهم؟ فيه خلاف بين أهل العلم، وجمهورهم يرى جواز ذلك في هدي التمتع والقران دون هدي الجبران على تفصيل بينهم في ذلك.

قال الكاساني في "بدائع الصنائع": وأما صفة الواجب فقد اختلف فيها، قال أصحابنا: إنه دم نسك وجب شكرا لما وفق للجمع بين النسكين بسفر واحد، فله أن يأكل منه ويطعم من شاء، غنيا كان المطعم أو فقيرا، ويستحب له أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث، ويهدي الثلث لأقربائه وجيرانه، سواء كانوا فقراء أو أغنياء كدم الأضحية، لقوله عز وجل: [فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ] (الحج: 28).

وقال الدردير في الشرح الكبير: جميع الهدايا غير ما ذكر من تطوع أو واجب لنقص بحج أو عمرة من ترك واجب أو فساد، أو فوات أو تعدي ميقات أو متعة أو قران، أو نذر لم يعين، فله الأكل منها مطلقا، بلغت محلها أم لا، وإذا جاز له الأكل في الجميع فله إطعام الغني والقريب، وأولى غيرهما.

وقال البهوتي في "كشاف القناع" لا يأكل من كل واجب من الهدايا ولو كان إيجابه بالنذر أو بالتعيين، إلا من دم متعة وقران –أي فيجوز الأكل- نص على ذلك أي أحمد بن حنبل.

وذهب الشافعية إلى اختصاص الهدي الواجب بفقراء الحرم فقط، حتى إنهم لم يجيزوا للمهدي الأكل منه، قال النووي في المجموع: ويجب تفريقه على مساكين الحرم، سواء الغرباء الطارئون والمستوطنون، لكن الصرف إلى المستوطنين أفضل، وله أن يخص به أحد الصنفين، نص عليه الشافعي، واتفقوا عليه، أي الشافعية.

ولا شك أن الهدايا التي يتركها بعض الناس في المسلخ مختلطة من الواجبة ومن المندوبة، وعليه فالأحوط لكم التنزه عنه إن لم تكونوا فقراء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة