حق الخالقيّة كطريقٍ للإيمان بالله

0 995
  • اسم الكاتب:أبو عبد الرحمن الإدريسي-إسلام ويب

  • التصنيف:تعزيز اليقين

غريب أمرك أيها الإنسان؛ كيف تجتهد لمعرفة حقيقتك الإجتماعية والاقتصادية، ومكانتك بين نفوس أصدقائك، وتبذل في ذلك أقصى الطاقات لتحسينها، ولا تجتهد ذاك الجهد لمعرفة حقيقتك الوجودية !

أنت مخلوق، تلك أولى الحقائق الوجودية، فلا أنت ولا أنا جاء إلى هذا الوجود بإرادته، فكان الواجب علينا معا أن نبحث عن الله الخالق. لأن صفة الخالقية سبب مجيئنا إلى الكون، وإلا لكنا عدما؛ فكان أول ما يجب علينا كمخلوقين شكر خالقنا على خلقنا.

فالمنصت لنداء الفطرة الإنسانية الرفيعة، يلبي نداء الرغبة في معرفة من أسدى إليه نعمة الوجود، فالإنسان مفطور على شكر من وصله بمعروف، أو أنعم عليه بنعمة، أو فك عليه ضائقة .. إذن لم لا نشكر خالقنا وبارئنا ؟

إنها ذمتك أيها الإنسان لربك، فإن إحساسك بوجوب هذا الحق عليك يخرجك من التيه الوجودي l’errant existentielle، الذي ضاعت فيه البشرية، وغرقت في ظلام التصور العبثي للحياة، فبأي نفسية ستعيش أيها الإنسان حياتك ؟ وأنت ترى أن غايتها العدم المطلق والفناء الرهيب؟

فأي لذة ستجدها في متعة من المتع وأنت معتقد بأنك مهدد في كل لحظة بالفناء الذي لا حياة بعده ؟ فذلك غالبا ما يقود إلى الشره المتوحش La boulimie sauvage في تناول الحياة، حيث الإنسان يقبل على الملذات منغمسا فيها مهلكا لصحته، وبدنه، وماله، في عشوائية ولامبالاة حتى يسقط في براثن الاكتئاب والمرض النفسي .

تأمل أيها الإنسان في مفهوم الخلق، كيف خرج الوليد من بطن أمه بعد أن تخلق بأمر الله من ماء مهين ؟ فخرج وليدا يشع جمالا وحسنا ! وكيف خرجت تلك الثمرة الحلوة الندية من عود خشن وماء وطين ؟ عجبا فهلا تدبرت، أو أبصرت ؟

إن الله تعالى في قرآنه كلما نادى الناس بالاستجابة لأمره النافذ التعبدي، ناداهم من حيث هو خالقهم، يسألهم سبحانه أداء حق الخالقية ذاك، { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } ( البقرة : 21)، ثم تدبر قوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذاريات : 56) .

فكان حق الخالقية دائما حاثا على عبادة الخالق، لكي ينتظم الناس في سلك العابدين، { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } ( النساء: 1 )

فتلك الآيات كثير من المسلمين والمخالفين من يقرأها ولكن قلما يوجد من يتدبرها، فهي مفتاح بديع من مفاتيح فهم الوحي المنزل ! فالقرآن يدل الإنسان على موقعه الوجودي Emplacement existentielle ، وبالتالي على معناه الوجودي الوظيفي، كقوله تعالى : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } ( الإنسان : 1-3) .

فقد مكن الله تعالى للإنسان العيش في كوكب هيء لاستقباله { الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم } ( البقرة : 22) فالمستفيد الأول من الكوكب هو الإنسان، ثم سخر له المخلوقات { ألم تروا أن الله سخر لكم مافي السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } ( لقمان : 20) فكانت كل أسباب الحياة والعمران والنماء تدبيرا رحيما تفضيليا من الخالق للإنسان، فكان الشرك والكفر ظلما عظيما وإجراما لأنه عدم اعتراف بالنعمة للمنعم، وعدم شكر للخالق على خلقه ! ففيهما إنكار لحق الخالقية أيها الإنسان فتفكر .

فالبشري لم نكن في حقبة شيئا مذكورا، أنت بالذات أيها القارئ لم تكن فكنت، فقبل ميلادك بسنة أين كنت ؟ تذكر وغص في ذاكرتك ؟ ماذا كنت ؟ لا شيء في مرحلة ما قبل العمر، حقبة لن تتصورها حتى في خيالك فلن تستطيع ! ثم كنت وتفضل الله عليك بأن تتنفس هواء الأرض وما رافق الخالقية من نعم، فتعلقت بذمتك حق الذي كان له الفضل في إحياءك، فحصلت وعيك الوجودي، فتفرقت أصناف الخلق إلى موقعين، أبرارا مؤمنين معترفين شاكرين، وكفارا غافلين وناكرين، فترتب عن هذا موقعين خلوديين : فمن اعترف بحق الخالقية وآمن الخالق الحق كان في الجنة، ومن أنكره أو رده لغير صاحبه كان في النار.

فكان في هذا المعنى استفادة كبرى للإنسان، متمثلة في الإيمان وتحقق المعنى الوجودي، والطائفة الثانية تعيش تيها وجوديا بامتياز ! فالأوائل يعيشون على شعور الفرح بالله تعالى ربا وخالقا، والطائفة الثانية على شعور الحزن الوجودي والعدمية المهلكة.

إنك أيها الملحد لن تعيش حياة أزلية على الأرض، ولن تتوفق إلى تحصيل سعادتها وأنت منكر لحق الخالقية، التي تبصرها في نفسك وفي من حولك، وتشعرها في فطرتك ووجدانك، لأنه ببساطة قيد نوراني يحيط بك وتحس به مع كل شهيق وزفير، فالأولى بك أن تعدل موقفك الوجودي وتصححه، فتفوز، لأنه ببساطة حق يقود إلى الإيمان بالله، ولن يخيب في الدنيا والآخرة مؤمن .

فإن اعترفت بحق الخالقية عرفت خالقك، فامتلأ قلبك أنسا به، ثم أنسا بالحياة، فالكون والكائنات، وأنسا بالموت، الذي لن ترى فيه إلا موعدا جميلا للقاء جميل مع رب جميل، ويا حسرة عليك إن لم تتذوق هذا المعنى وخطفك عنه الشره التوحشي الذي تعيش . فإلى متى أيها الملحد هذا حالك؟ إلى متى؟
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة