في وصف الجنة

0 973

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن الحديث عن الجنة من أعظم أسباب الاستقامة وصلاح القلوب، والحديث عن الجنة لا يمل، وكيف يمل الحديث عن دار بناها الله بيده، وجعلها مقرا لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، أهلها يحيون فلا يموتون، وينعمون فلا يبأسون، ويشبون فلا يهرمون، ويصحون فلا يمرضون؟.
وهل أقض مضاجع العابدين، وأسهر ليل المتقين، وأرق الصالحين إلا خوفهم أن يحرموا دخولها؟ وهل عاش الأنبياء والمرسلون وأتباعهم من المؤمنين إلا وهم يسألون الله الجنة؟.
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لرجل " كيف تقول في الصلاة؟ " قال: أتشهد، وأقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ. فقال صلى الله عليه وسلم: " حولها ندندن ".
إنها الجنة عظيمة في اتساعها أنيقة في بنائها عجيبة في منازلها ودرجاتها.
أما اتساعها فيدل على عظمته قول الله تعالى: { سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (21) } ( الحديد ).
وقوله تعالى: { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين  } (آل عمران(133) ).

وإليك هذه الأحاديث التي تبين لك سعة الجنة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة مائة درجة ، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض...".

وأعجب من ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن نصيب آخر رجل يدخل الجنة فقال: " آخر من يدخل الجنة ، رجل يمشي على الصراط ، فهو يمشي مرة ، ويكبو مرة ، وتسفعه النار مرة ، فإذا جاوزها التفت إليها ، فقال : تبارك الذي نجاني منك ، لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين ، فترفع له شجرة ، فيقول : أي رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها ، وأشرب من مائها ، فيقول الله : يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها ؟ فيقول : لا يا رب ، ويعاهده أن لا يسأله غيرها ، وربه يعذره ، لأنه يرى ما لا صبر له عليه ، فيدنيه منها ، فيستظل بظلها ، ويشرب من مائها ، ثم ترفع له شجرة أخرى ، هي أحسن من الأولى ، فيقول : أي رب أدنني من هذه ، لأشرب من مائها ، وأستظل بظلها ، لا أسألك غيرها ! فيقول : يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها ؟ فيقول لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها ؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها ، وربه يعذره ، لأنه يرى ما لا صبر له عليه ، فيدنيه منها ، فيستظل بظلها ، ويشرب من مائها ، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة ، هي أحسن من الأوليين ، فيقول : أي رب ! أدنني من هذه ، فلأستظل بظلها ، وأشرب من مائها ، لا أسألك غيرها ! فيقول : يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها ؟ قال : بلى يا رب ، أدنني من هذه لا أسألك غيرها ، وربه يعذره ، لأنه يرى ما لا صبر له عليه ، فيدنيه منها ، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة ، فيقول : أي رب أدخلنيها ، فيقول : يا ابن آدم ما يصريني منك ؟(أي يقطع المسألة بيني وبينك) أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها ؟ فيقول : أي رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين ؟ فيقول : إني لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر".

وحين تقرأ هذا الحديث أو تسمعه قد يرد على ذهنك سؤال مهم:
إذا كان هذا نصيب آخر رجل يدخل الجنة، فكيف يكون نصيب أعلاهم منزلة؟
هذا السؤال سأله نبي الله موسى عليه السلام وكان الجواب من الله تعالى: " أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها . فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر" . قال:"ومصداقه في كتاب الله عز وجل : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } (السجدة / من الآية - 17 ).
نعم إن الجنة لواسعة جدا حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة . عرضها ستون ميلا . في كل زاوية منها أهل . ما يرون الآخرين . يطوف عليهم المؤمن".

هذه الخيمة فما بالك بالقصر؟
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة لشجرة ، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها".
وأبواب الجنة عظيمة تدل على مدى سعة الجنة ، فقد خطب عتبة بن غزوان رضي الله عنه فقال: " ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة . وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام".
فإذا عرفت أن مسيرة اليوم والليلة تعادل 75 كيلو متر تقريبا فإن عرض باب من أبواب الجنة يزيد على مليون كيلو متر ، وللجنة ثمانية أبواب . 

أما بناؤها فإنه لا يخطر على بال فقد سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن بناء الجنة فقال: " لبنة من فضة ولبنة من ذهب ، وملاطها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وتربتها الزعفران من دخلها ينعم ولا يبأس ، ويخلد ولا يموت ، لا تبلى ثيابهم ، ولا يفنى شبابهم...".
سبحان الله ما أعجب هذا البناء وأحسنه، لبنة من فضة ولبنة من ذهب والطين الذي يوضع بينهما من المسك الخالص ، والحصى على الأرض الياقوت واللؤلؤ ، لكن لم العجب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فاقرءوا إن شئتم: { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}".
لحديثنا بقية إن شاء الله ، نسأل الله أن يدخلنا الجنة بغير حساب ولا عذاب.
والحمد لله رب العالمين.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة