- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:العقيدة
الخطبة الأولى
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في السر والنجوى، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102]، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} [الحشر: 18]، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (٧٠) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد؛
عباد الله: روى الإمام مسلم في صحيحه: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت، قال: فعجبنا له، يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة، قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: ثم انطلق فلبثت مليا، ثم قال لي: يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
أيها المسلمون: ما زلنا مع حديث جبريل العظيم الجامع لأصول الدين، ولكننا اليوم نقف مع سؤال آخر من أسئلته المباركة عليه السلام: وهو قوله: فأخبرني عن الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. هذه هي أركان الإيمان الستة، التي لا يستقيم إيمان عبد إلا بها: الإيمان بالله: أي الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى، وبربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته؛ أن تؤمن أنه الخالق الرازق المدبر، وحده المستحق للعبادة سبحانه، المنزه عن كل نقص وعيب، الموصوف بصفات الكمال والجلال، هذه هي حقيقة الإيمان بالله تعالى التي تملأ القلب تعظيما وخشية ومحبة ورجاء له سبحانه وتعالى. قال صلى الله عليه وسلم: وملائكته، أي من الإيمان: الإيمان بالملائكة: والملائكة خلق من نور، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، موكلون بأعمال عظيمة؛ منهم جبريل موكل بالوحي، وميكائيل بالقطر والنبات، وإسرافيل بالنفخ في الصور، وملك الموت بقبض الأرواح، ورضوان خازن الجنة، ومالك خازن النار، وغيرهم خلق كثير، الإيمان بهم يربي في العبد الانضباط والشعور بمراقبة الله تعالى؛ فحوله من الملائكة من يكتب عمله ويراقب قوله، ويحفظه من مكائد الشيطان أيضا.
وقال صلى الله عليه وسلم: وكتبه، أي من الإيمان: الإيمان بالكتب التي أنزلها الله تعالى، وهي التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وصحف إبراهيم وموسى، وغير ذلك مما لا نعلمه، نؤمن بأن الله تعالى أنزلها هدى ونورا، وأنها كلها حق، وأن القرآن مهيمن عليها وناسخ لها، وهو كتاب محفوظ عن التحريف والتبديل، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقال صلى الله عليه وسلم: ورسله، أي من الإيمان: الإيمان بالرسل الذين أرسلهم الله تعالى إلى البشر، نؤمن بجميع رسل الله تعالى جملة وتفصيلا، من ذكر منهم بأسمائهم في القرآن وعددهم خمسة وعشرون نبيا، ومن لم يذكر، ومجموعهم كما في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر، جما غفيرا. وفي رواية أبي أمامة قال أبو ذر: قلت يا رسول الله: كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف، وأربعة وعشرون ألفا، والرسل من ذلك: ثلاثمائة وخمسة عشر، جما غفيرا) نؤمن أنهم صادقون، أمناء على وحي الله تعالى، بلغوا رسالات ربهم كما أمرهم، وأن إمامهم وخاتمهم ومقدمهم: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده.
وقال صلى الله عليه وسلم: واليوم الآخر، أي من الإيمان: الإيمان باليوم الآخر، أي الإيمان بأن الله تعالى سيبعث الخلق يوم القيامة ويجازيهم بأعمالهم، ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالموت وما بعده، والإيمان بالقبر ونعيمه أو عذابه، والإيمان بالبعث والنشور، والحشر والوقوف بين يدي الله تعالى، والإيمان بالميزان والصراط، والجنة والنار، وكل ما جاء في الكتاب والسنة من تفاصيل ذلك اليوم العظيم، وهو يوم حق لا ريب فيه، قال تعالى: {إن الساعة آتية لا ريب فيها} [غافر: 59]. وقال صلى الله عليه وسلم: وتؤمن بالقدر خيره وشره، أي من الإيمان: الإيمان بالقدر خيره وشره: أي الإيمان بأن الله تعالى علم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأنه كتب مقادير الخلائق وشاءها وخلقها قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، لا يخرج شيء عن تقديره وتدبيره. قال تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر: 49]، وقال سبحانه: {مآ أصاب من مصيبةٖ في ٱلۡأرۡض ولا فيٓ أنفسكمۡ إلا في كتبٖ من قبۡل أن نبۡرأهآۚ إن ذلك على ٱلله يسيرٞ} [الحديد: 22].
عباد الله: إن أركان الإيمان هذه ليست مجرد معلومات ذهنية، لا أثر لها على قلب العبد وسلوكه وجوارجه، بل هي روح الإيمان وحقيقته، وحياة القلوب وسعادتها؛ فمن آمن بالله تعالى عرف ربه فخشع قلبه وخضع، ومن آمن بالملائكة استحيا أن ترفع إلى السماء صحيفة سوداء بذنوبه، ومن آمن بالكتب والرسل استقام على منهج الوحي، ومن آمن باليوم الآخر قصر أمله، وحسن عمله، ومن آمن بالقدر قوي قلبه وثبت أمام البلاء، ورضي بالله ربا ومدبرا. هذا الإيمان إذا ما استقر في القلب طهره وهذبه، وقاده إلى الطاعة والاستقامة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
عباد الله: ضعف الإيمان بأركانه هو مصدر كثير من القلق والاضطراب في نفوسنا وحياتنا، فمن ضعف إيمانه بالقدر عاش في حسرات الماضي وخوف المستقبل، ومن ضعف إيمانه باليوم الآخر استثقل الطاعات وتجرأ على كثير من المعاصي والمحرمات، ومن ضعف إيمانه بالرسل اتبع الأهواء والشبهات.
والإيمان الحق يظهر أثره ساعة البلاء، وعند ورود الفتن، وحلول المصائب والمحن، حين يثبت المؤمن لأنه يوقن أن الدنيا دار ابتلاء، وأن ما عند الله خير وأبقى. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير؛ احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.
فجددوا إيمانكم -عباد الله- بهذه الأركان بالإكثار من ذكر الله تعالى، وتدبر كتابه، ومعرفة أسمائه وصفاته، وصحبة أوليائه الصالحين، والتزود من الصالحات، واجتناب المحرمات والمنكرات.
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

المقالات

