أعاني من نوبات اكتئاب واضطراب وجداني، ما السبيل للتخلص منها؟

0 216

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة حديثة التخرج من الجامعة, أعاني من نوبات اكتئاب واضطراب وجداني تأتي كل شهرين إلى ثلاثة تقريبا، منذ سن الحادية عشرة, بالإضافة لهوس نتف الشعر منذ نفس السن، حياتي العائلية طبيعية تتراوح بين الجيد والسيء، ولله الحمد على كل شيء.

منذ بداية آخر سنة جامعية أصبحت لا أستطيع النوم براحة، والقلق يأكلني وينهي ما حاولت الإبقاء عليه من حاجبي أو رموشي, فوجدت نفسي أذهب تلقائيا لدورة المياه للتقيؤ, وهذا فعليا ما يمنحني إغماءة النوم, أصبحت العادة تتكرر كل أسبوع تقريبا، وكنت أتعمد أن آكل طعاما كثيرا لكي أرهق نفسي أكثر أثناء التقيؤ، مما ينتج ضعفا أشد يساعدني على النوم.

توقفت عن هذه العادة بلا سبب معين، فقط وجدت نفسي متوقفة عنها والحمد لله, لم أكن أحبها أبدا، لكني كنت أشعر أني مسيرة لها، مما يدفعني للبكاء في كل مرة أجد نفسي متجهة لدورة المياه.

المشكلة أن هذه العادة عادت منذ ثلاثة أشهر لكن ليس بسبب دافع النوم, بل لأني لا أستطيع أبدأ أن أتحمل وجود أي شيء في معدتي حتى البيضة المسلوقة أو حبات التمر, أشعر بخلل كامل في جسدي لمجرد أنني أبقيت فيه الطعام الذي أكلته, حاولت أن أجرب أكلات أحبها، وأكلات خفيفة على المعدة كالسوائل والشوربات فقط، لكن كانت تزيد الطين بلة.

أخشى كثيرا من مضاعفات هذه العادة التي بلغت أن أتقيأ أربع مرات في اليوم تقريبا, لا أستطيع دفع تكاليف الأطباء وأدوية الوسواس والاكتئاب تأخذ من ميزانيتي من الأساس.

قرأت عن البوليميا لكن أعتقد هذا قد يختلف، فأنا لا أكثر من الأكل أو أكل بشراهة بل لا أستطيع تقبل وجود طعام في بطني, مع وجود الشهية الكبيرة للطعام, خسرت سبعة كيلو من وزني خلال الأشهر الماضية، بالرغم من أني لا أقوم بأي نوع من الرياضة.

أخشى كثيرا من العقوبة الإلهية، فأحيانا أتجاهل حقيقة كوني سأتقيأ كل ما سآكله، مع ذلك أجدني أتناول الغداء متكاملا، كأي إنسان طبيعي، وبعده بدقيقتين أقوم بالتقيؤ على خيالات أطفال المجاعات والحروب، مما يزيد شعوري السيء في نفسي أضعافا مضاعفة.

لا أعلم كيف أتصرف مع نفسي, ويبدو تحولي لعادة مزمنة كوني لدي قابلية الإدمان على العادات.

ما هو حكم الإسلام في ذلك؟ اللهم تب علينا واغفر لنا وارحمنا, ونعوذ بك من زوال نعمتك وحلول نقمتك وتحول عافيتك وجميع سخطك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ SARA حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله العافية لك والشفاء، وأبارك لك التخرج من الجامعة، وأسأل الله تعالى لك المزيد من التوفيق والسداد.

عادة نتف الشعر تشخص تحت الطيف الوسواسي، لأنها فعلا وسواس قهري، يؤمن الإنسان بسخفه ولكنه لا يستطيع التخلص منه، واضطراب الشهية العصبي الذي تعانين منه – وهو قطعا عصبي – يأتي أيضا تحت المظلة الوسواسية.

لا أعتقد أنه لديك كل المعايير التشخيصية للبوليميا، لكن قطعا هنالك خلل قهري يتم فيه تناول كمية كبيرة من الطعام، ثم بعد ذلك التقيؤ، هذا فيه أيضا شيء من عقوبة الذات، ودليل على الضجر والانفعالات السالبة.

لا بد أن تقيمي حالتك هذه، وتكوني أكثر استبصارا وإلماما ومعرفة بأن الذي تقومين به من سلوكيات فيه أذى كثير لنفسك، فيه تشويه لذاتك، وجرحها بصورة قد لا تندمل.

مجرد الإدراك بسوء التصرف أو السلوك لا يكفي لعلاجه، إنما القناعة المعرفية الأصلية والثابتة هي التي تقتلع مثل هذه السلوكيات.

إذا أنت محتاجة لجلسات طويلة مع نفسك للتخلص من كل الذي تعانين منه، ورأي الإسلام واضح في مثل هذه الأمور، وهي: (ما جعل الله من داء إلا جعل له دواء، فتداووا عباد الله) والنفس مصانة في الإسلام، فالضروريات الخمس هي: (حفظ الدين، والعقل، والنفس، والعرض، والمال) أن تصان وأن تحفظ النفس نعمة عظيمة من عند الله تعالى.

أيتها الفاضلة الكريمة: الإدراك العميق لمشكلتك يساعدك في حلها والتخلص منها، ومن الواضح أنك إنسانة رائعة، أنجزت الكثير (التعليم – النجاح) من واقع رسالتك أستطيع أن ألتمس مداركك المعرفية الجيدة، فلماذا لا يتم تصحيح المسار برفض هذا الذي تعانين منه؟

هنالك حيل سلوكية بسيطة جدا سوف تساعدك:
- بدل نتف الشعر قومي مثلا بالتفكير في شيء جميل.
- بدل نتف الشعر قومي بالضرب على يدك بقوة وشدة على جسم صلب كسطح الطاولة مثلا، والقصد هو أن تحسي بألم شديد في لحظة الاندفاع نحو نتف الشعر، هنا يتم ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، لأن الأشياء المتضادة لا تلتقي في حيز أو مساحة معرفية واحدة. هذا التمرين يكرر عدة مرات.

- بدل نتف الشعر قومي بالاستغفار والتسبيح والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وهذه طريقة لصرف الانتباه عن نتف الشعر، والانشغال بشيء نافع بالفكر وباللسان وبالحركة لصرف الإنسان عن الأفعال السالبة والتصرفات السيئة.

هذا أيضا بالنسبة لموضوع الطعام والشراهة نحوه والتقيؤ، اربطيها بتفاعلات وتصرفات مخالفة لها، مارسي الرياضة، الرياضة التي تناسب الفتاة المسلمة، وسعي من نسيجك الاجتماعي من خلال الذهاب مثلا إلى مراكز تحفيظ القرآن، للتعرف على الصالحات من الفتيات، وبناء معارف جديدة. كوني إنسانة يقظة جدا داخل المنزل، وشاركي مشاركات إيجابية في شؤون أسرتك، فكري في دراسات عليا، وخططي لذلك.

هنالك أشياء جميلة جدا يمكن أن يعدل الإنسان من خلالها سلوكه، وخير الناس هم الذين يغيرون من ذواتهم إيمانا بقول الله تعالى: {إن لا الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}؛ فإذا نحن حبانا الله بالقوة، للمعرفة، للإدراك، للمتسع الفكري الذي نتغير من خلاله، والإنسان قد كرم في هذا السياق.

انظري لنفسك من هذه الزاوية، إلى الزاوية الإيجابية، من زاوية التطلع نحو ما هو أفضل، وأن التغيير ممكن، وأن الإنسان يستطيع أن يغير نفسه.

أيتها الفاضلة الكريمة: بالنسبة للعلاج الدوائي أرى أيضا أنه سوف يساعدك، والعقار الذي أفضله في مثل حالتك هو الـ (فلوكستين)، والذي يعرف باسم (بروزاك) والجرعة هي كبسولة واحدة ليلا لمدة أسبوعين، يتم تناولها بعد الأكل، ثم بعد ذلك تجعليها كبسولتين ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة واحدة ليلا لمدة شهرين، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقفي عن تناول الدواء. هو من الأدوية الممتازة السليمة والفاعلة، وأسأل الله تعالى أن ينفعك به.

بذلك - أي بوصفنا للعلاج الدوائي - نكون قد أكملنا مكونات هذه الاستشارة الأساسية، وأرجو أن تأخذي بها، وأسأل الله تعالى أن ينفعك بذلك.

بالنسبة لسؤالك عن الأحكام الشرعية يرجى مراسلة مركز الفتوى بالموقع على الرابط التالي:
https://www.islamweb.net/ar/fatwa/

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات