الحكمة من زيادة المنافقين مرضًا إلى مرضهم

0 29

السؤال

في سورة البقرة آية 10: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون.
أنا أعلم أن المرض هنا هو الشك، فلماذا يزيد الله المنافقين مرضا؟ أليس من الأفضل تركهم على حالهم؛ حتى لا تكون حجتهم أن الله قد تدخل في عدم إيمانهم؛ حتى يتحقق العدل في الفرص.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فقد جرت سنة الله تعالى بأن يعاقب المعرض بأن يزيده إعراضا، ويمده في طغيانه، وغيه؛ جزاء لاختياره السيئ؛ ولذا قال بعض السلف: من علامة السيئة السيئة بعدها، ونظير هذا في القرآن قوله تعالى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة {الأنعام:110}، وقوله: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم {الصف:5}.

كما أنه سبحانه يجزي من اختار الهدى، وآثره على الضلالة، بأن يزيده اهتداء، ويوفقه لمزيد الخير، كما قال تعالى: ويزيد الله الذين اهتدوا هدى {مريم:76}. 

وهذا من كمال عدله، وحكمته تبارك وتعالى، أن يملي للظالمين، ويمدهم في طغيانهم يعمهون، ويزيدهم ضلالا على ضلالهم؛ بسبب إيثارهم الضلال أولا، وله في ذلك الحكمة البالغة، قال ابن كثير: وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (في قلوبهم مرض)، قال: هذا مرض في الدين، وليس مرضا في الأجساد، وهم المنافقون. والمرض الشك الذي دخلهم في الإسلام، (فزادهم الله مرضا) قال: زادهم رجسا، وقرأ: فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون. وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم [التوبة:124- 125]، قال: شرا إلى شرهم، وضلالة إلى ضلالتهم. وهذا الذي قاله عبد الرحمن -رحمه الله- حسن، وهو الجزاء من جنس العمل، وكذلك قاله الأولون، وهو نظير قوله تعالى أيضا: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم [محمد:17]. انتهى.

وقيل: إن زيادة المرض، إنما تحصل لهم؛ بسبب ما يتجدد للنبي صلى الله عليه وسلم من علو الكلمة، وبسبب ما يتجدد لهم من التكذيب بالآيات.

وقيل: إن الجملة دعائية، قال في فتح البيان: فزادهم الله مرضا، أي: كفرا، ونفاقا، والمراد بزيادة المرض: الإخبار بأنهم كذلك؛ بما يتجدد لرسول الله صلى الله عليه وسلم من النعم، ويتكرر له من منن الله الدنيوية، والدينية، ويحتمل أن يكون دعاء عليهم بزيادة الشك، وترادف الحسرة، وفرط النفاق. انتهى. وقال القاسمي في تفسير هذه الآية: فزادهم الله مرضا، بأن طبع على قلوبهم؛ لعلمه تعالى بأنه لا يؤثر فيها التذكير، والإنذار. وقال القاشاني: أي: مرضا آخر - حقدا، وحسدا، وغلا-، بإعلاء كلمة الدين، ونصرة الرسول، والمؤمنين -، ثم قال: والرذائل كلها أمراض القلوب؛ لأنها أسباب ضعفها، وآفتها في أفعالها الخاصة، وهلاكها في العاقبة. انتهى.

وبكل حال؛ فله -سبحانه- الحجة على جميع خلقه، وليس لأحد حجة عليه، فإنه سبحانه أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وقطع المعاذير، ولم يضل من ضل إلا بإرادته، ومشيئته، فكان معاقبا بفعله، وسوء اختياره لنفسه، وليس له على الله حجة، كما قال تعالى: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل {النساء:165}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات