هل تجوز طاعة الوالدين في حضور مجالس الباطل إن خاف الفتنة في عدم الطاعة؟

0 11

السؤال

هل يجوز طاعة الوالدين في معصية لا تصل إلى الكفر، إن خاف المرء الفتنة في دينه إن لم يطعهما؟ فوالداه يتبعان دينا باطلا، وهو -ولله الحمد- قد اهتدى، لكنهما يأمرانه ببعض الأمور التي لا تجوز، وإن أخبرهما أنها لا تجوز، فسيغضبان، ويحاولان أن يرداه إلى دينهم الباطل، بأن يعرضا عليه الشبهات، وأحيانا يطلبان منه أن يحضر مجالس ومحاضرات علماء دينهم الباطل، ويهددانه بأخذ هاتفه الذي يستعمله في التعلم من المواقع الإسلامية، وسؤال أهل العلم، وهو يخاف أن يفتن، فهل يجوز طاعتهما؟ وهل يتغير الحكم إن لم يكن متأكدا أنهما سيفتنانه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فالأصل أن يتطابق ظاهر المسلم وباطنه، بحيث يكون ظاهره كباطنه؛ فلا يجوز له مجاراة أهل الباطل في شيء من باطلهم - قولا كان أم فعلا، كفرا كان أم مجرد معصية -من غير عذر؛ فهذه هي المداهنة التي ذمها الله عز وجل في كتابه، حيث قال: ودوا لو تدهن فيدهنون {القلم:9}، قال السعدي في تفسيره: {ودوا} أي: المشركون {لو تدهن} أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول، أو الفعل، أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه {فيدهنون} ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، بنقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه. انتهى.

فلا يجوز للمسلم أن يصير لشيء من ذلك طمعا في دنيا، أو لمجرد توهم ضرر في دين أو دنيا، ولم يعذر رب العزة والجلال من يمكنه الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، أو من أرض المعصية إلى أرض الطاعة، إذا لم يكن له عذر حقيقي، قال سبحانه: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا {النساء:97}، قال ابن كثير في تفسيره: هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين؛ فهو ظالم لنفسه، مرتكب حراما بالإجماع... انتهى.

ويبقى بعد ذلك ما إذا كان المسلم في حال لا انفكاك له فيها عن البقاء في البيئة التي فيها الباطل، ويغلب على ظنه أن يلحقه ضرر شديد في دينه أو دنياه، إن لم يجامل أهل الباطل في باطلهم؛ فيباح له أن يتقي ذلك بإظهار ما يضمر خلافه من الحق، ويكون ذلك بقدر الضرورة، كما قرر أهل العلم، وهذا من جهة العموم.

ولكن بخصوص مسألتك هذه؛ فالذي يظهر لنا أنه ليس لك الترخص في مجاملتهم إن كان الأمر لا يتعدى شيئا من الضغوط عليك، والتشويش بالشبهات، وطلب حضور مجالس بعض علماء السوء، أو أخذ الهاتف ...إلخ، بل عليه أن يتقي الله، ويصبر، ويحرص على صحبة الأخيار، وطلب كشف ما يعرض له من الشبهات بسؤال العلماء الثقات، ونحو ذلك من مسالك النجاة.

وإن اقتضى الأمر أن يرحل عنهم؛ فليفعل؛ فأرض الله واسعة.

وإذا حرص على إرضاء الله، ولو بسخط الناس؛ كانت له العاقبة الحميدة، قال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا {الطلاق:2}، وروى ابن حبان في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من التمس رضا الله بسخط الناس؛ رضي الله عنه، وأرضى الناس عنه. ومن التمس رضا الناس بسخط الله؛ سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة