دعاء الوالدين على الأولاد لا يجاب إلا إذا كان بسبب عقوق الأولاد

0 33

السؤال

والداي دائما يدعوان علي في كل الأوقات، بسبب أو بدون سبب، حاولت أن أثنيهما عن ذلك، وأخبرتهما بخطورة الأمر إن استجاب الله لهما، وأرسلت إليهما أيضا رجال دين ينبهونهما لخطورة الأمر، إلا أنني قد لاحظت أن الأمر بدأ يزيد أكثر فأكثر. ماذا أفعل؟
أشعر أن الله يستجيب لهما دائما، حتى لو كنت مظلوما. يدعوان علي في الصلاة، وفي رمضان، ووقت المغرب.
أعاني في حياتي من المشقة وقلة التوفيق، وأصبت ببعض الأمراض. أخشى أن كل ذلك بسبب دعائهما علي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالدعاء على الولد؛ منهي عنه شرعا، ففي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ...لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم.

وقد ذكر بعض أهل العلم أن دعاء الوالدين على الأولاد لا يكون مجابا إلا إذا كان بسبب عقوق الأولاد، وظلمهم لوالديهم. 

قال ابن علان -رحمه الله- في دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين: ...ودعوة الوالد على ولده، أي: إذا ظلمه ولو بعقوقه. انتهى.

وقال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير: وما ذكر في الوالد محله في والد ساخط على ولده لنحو عقوق. انتهى.

فالواجب عليك بر والديك، وطاعتهما في المعروف؛ وإن كان وقع منك إساءة إليهما أو تقصير في حقوقهما؛ فبادر بالتوبة النصوح، واجتهد في استرضائهما والإحسان إليها، فالتوبة تمحو ما قبلها، والتائب لا يعاقب على ذنبه -بإذن الله-. 

قال ابن تيمية -رحمه الله-: ونحن حقيقة قولنا أن التائب لا يعذب لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا شرعا ولا قدرا. انتهى.

فإذا قمت بحق والديك؛ فلا يضرك -إن شاء الله- دعاؤهما عليك ما دام بغير حق.

وكون دعاء والديك عليك قد استجيب أو لم يستجب! فهذا علمه عند الله تعالى.

والمرجو من كرم الله تعالى ألا يستجيب دعاء الوالد على ولده ساعة الغضب، كما قال تعالى: ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا {الإسراء:11}، وقال: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم {يونس:11}.

قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب له إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم -والحالة هذه- لطفا ورحمة كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم أو لأولادهم بالخير والبركة والنماء؛ ولهذا قال: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم الآية، أي لو استجاب لهم كلما دعوه به في ذلك لأهلكهم. ولكن لا ينبغي الإكثار من ذلك. انتهى.

وعموما؛ فإن العبد إذا وجد في أموره تعسرا وقلة توفيق، وأصابته البلايا؛ فعليه أن يتهم نفسه، ويراجع حاله مع الله، ويجدد التوبة إلى الله، توبة عامة، ويكثر من الاستغفار؛ ففي صحيح   مسلم عن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: … يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: المؤمن إذا أصابه في الدنيا بلاء، رجع إلى نفسه باللوم، ودعاه ذلك إلى الرجوع إلى الله بالتوبة والاستغفار. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة