صفحة جزء
إلا الذي فطرني استثناء متصل إن قلنا إن ما عامة لذوي العلم وغيرهم وأنهم كانوا يعبدون الله تعالى والأصنام وليس هذا من الجمع بين الله تعالى وغيره سبحانه الذي يجب اجتنابه لما فيه من إيهام التسوية بينه سبحانه وبين غيره جل وعلا لظهور ما يدل على خلاف ذلك في الكلام أو منقطع بناء على أن ما مختصة بغير ذوي العلم وأنه لا يناسب التغليب أصلا وأنهم لم يكونوا يعبدونه تعالى أو أنهم كانوا يعبدونه عز وجل إلا أن عبادته سبحانه مع الشرك في حكم العدم، وعلى الوجهين محل الموصول النصب، وأجاز الزمخشري أن يكون في محل جر على أنه بدل من ما المجرور بمن، وفيه بحث لأنه يصير استثناء من الموجب ولم يجوزوا فيه البدل، ووجهه أنه في معنى النفي لأن معنى إنني براء مما تعبدون لا أعبد ما تعبدون فهو نظير قوله تعالى: ويأبى الله إلا أن يتم نوره إلا أن ذلك في المفرغ وهذا فيما ذكر فيه المستثنى منه وهم لا يخصونه بالمفرغ ولا بألفاظ مخصوصة أيضا كأبى وقلما، نعم إن أبا حيان يأبى إلا أنه موجب ولا يعتبر النفي معنى، وأجاز أيضا أن تكون (إلا) صفة بمعنى غير على أن (ما) في ما (تعبدون) نكرة موصوفة والتقدير إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني فهو نظير قوله تعالى: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا واعتبار ما نكرة موصوفة بناء على أن إلا لا تكون صفة إلا لنكرة وكذا اعتبارها بمعنى الجمع بناء على اشتراط كون النكرة الموصوفة بها كذلك، والمسألة خلافية، فمن النحويين من قال إن إلا يوصف بها المعرفة والنكرة مطلقا وعليه لا يحتاج إلى اعتبار كون ما نكرة بمعنى آلهة، وفي جعل الصلة فطرني تنبيه على أنه لا يستحق العبادة إلا الخالق للعابد فإنه سيهدين يثبتني على الهداية فالسين للتأكيد لا للاستقبال لأنه جاء في الشعراء يهدين بدونها والقصة واحدة، والمضارع في الموضعين للاستمرار، وقيل: المراد سيهدين إلى وراء ما هداني إليه أولا فالسين على ظاهرها والتغاير في الحكاية والمحكي بناء على تكرر القصة

التالي السابق


الخدمات العلمية