الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مَــن.. إلا اللــه؟...!!

مَــن.. إلا اللــه؟...!!

مَــن.. إلا اللــه؟...!!

ذكر الطيار الروسي "تيتوف" مشاهده وهو في الفضاء يدور بسفينته العجيبة حول الأرض، لقد رأى مظاهر كونية شتى كلها ساحر رائع، ثم قال: "ولكن أروع من هذا كله منظر الأرض وهي معلقة في الفضاء، إنه منظر لا يستطيع الإنسان أن ينساه ولا أن يضيعه من خياله، كرة تشبه الصور المرسومة لها في الخرائط، معلقة في الفضاء ليس هناك من يحملها، كل ما حولها فراغ... فراغ... فراغ ..
وقد أصبت بالذهول مدة لحظات، وسألت نفسي في دهشة: ترى ما الذي يبقيها معلقة هكذا هناك..."؟

والجواب: مَن إلا الله؟ إن هذا السؤال الذي توحي به الفطرة البريئة، لا نرى أيسر ولا أصرح ولا أخصر من إجابة القرآن الكريم عليه (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (فاطر:41)

إنه هو الذي أبقاها معلقة هكذا في مكانها، كما أبقى القمر والشمس اللذين نراهما ليلا ونهارًا، لا ركيزة لهذه الكواكب إلا أعمدة القدرة العليا. قال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)(لقمان: من الآية10).

إن سفينة الفضاء التي قبع في داخلها تيتوف، لم تنطلق من تلقاء نفسها ولم تتجمع آلاتها، وأجهزتها خبط عشواء، ولم تقم برحلتها السماوية دون نظام محكم رسمه لها أذكى العلماء. فهل يا ترى انطلقت الأرض في فضائها من تلقاء نفسها، ودون مشرف على حركتها، ودون تقدير دقيق لصلتها بغيرها من شتى الكواكب، ودون رعاية لحاجات الألوف المؤلفة من الأحياء المحتشدة فوق سطحها؟!!
إن هذا ما ينفيه العلم نفسه، وما تشهد بغيره سفينة الفضاء التي ركبها الرائد الروسي.

إننا نسأل مع الطيار الروسي: من الذي يستبقي الأرض، وجميع الكواكب القريبة والبعيدة في مداراتها الرحبة، تسبح دون إعياء، ودون اضطراب في فضاء الكون العظيم، ومن ينسق لها حركاتها، فلا تصطدم، ولا تنحرف!!

إننا لا نسأل نحن فقط.. بل القرآن نفسه يسأل، ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون* سيقولون لله قل أفلا تذكرون* قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم* سيقولون لله قل أفلا تتقون* قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون* سيقولون لله قل فأنى تسحرون) (المؤمنون:84 ـ 89).

إن الإيمان ليس حالة تنشأ من ركود النشاط الفكري، وتأثر العقل بالأوهام والخرافات، وإيمان من هذا القبيل لا وزن له "كبير".

ونحن نحب أن يسأل" تيتوف" وأن يسأل غيره من الناس عن مظاهر الكون كلها، وأن يبحثوا بحماسة عن الخالق الكبير، وأن يتحروا الحقيقة في تقرير الإجابة، وألا يكتفوا بالتساؤل المبتور، أو ينطقوا بالسؤال ثم تغلبهم تيارات مجنونة دون انتظار الجواب...

إننا سمعنا من الوحي ـ قبل أن نسمع من الطيار الروسي المبهورـ هذا السؤال عن الأرض ومن فيها، قال تعالى: (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)؟!(الأنعام: من الآية12)

وسمعنا الجواب الحتم عقب هذا السؤال الواجب: (قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(الأنعام: من الآية12).

الإسلام والكشوف الكونية
إن الإسلام دين فجر الطاقة العقلية في البشر، وجعل اليقين في الله نتيجة لا بد منها لتجوال الفكر الإنساني المستيقظ النابه في آفاق السموات والأرض.

ولذلك لا يوجل الإسلام من البحوث العلمية ولا الكشوف الكونية، بل على العكس يدفع إليها دفعا ويحض عليها حضا.
وكل خطوة يخطوها العلم الكوني تؤكد أن الله من و راء كل حركة وسكنة، وأن المادة يستحيل أن تتخلق من غير شيء، وأن هذا الاطراد والاتساق في القوانين التي تربط بين أجزاء المادة يستحيل أن يتولد من الهباء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (النمل:93)

والعقل الإنساني كفر بما ينبغي الكفر به على الإجمال!!
تقول: كيف هذا؟ والجواب: أن الناس مع إطباقهم على ضرورة الألوهية ونفرتهم من التعطيل، وإنكار رب العالمين، مع هذا فقد أبوا إلا تصور الألوهية على أنحاء منكرة، وارتسمت لها في أذهانهم صور أغلبها باطل.
والعقل الذي يرفض عبادة حيوان أو جماد معذور في كفره بهذه الآلهة.
والعقل الذي يأبى التسليم بآلهة شركاء، وأب وأبناء، معذور في إبائه هذا ولأمر ما كانت كلمة "لا إله إلا الله" مكونة من شقين، أولهما نفي والآخر إثبات.

لا إله... هذا الشق الأول من الكلمة يعني نفي ما صنعه الخيال البشري من آلهة أرضية وهي آلهة شاع الإيمان بها ـ ولا يزال ـ في أقطار كثيرة، وبين جماهير غفيرة.

ونحن المسلمين نكْفر بهذه الآلهة المختلفة، ونقول مقالة القرآن الكريم (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان)(يوسف: من الآية40).

والشيوعيون اكتفوا بهذا الشق، ولو عقلوا لأدركوا أن بعد الكفر بالآلهة التي صنعها الناس لابد من الإيمان بالله الذي صنع كل شيء، وليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.

لا بد بعد كلمة لا إله- التي تنفي كل ألوهية باطلة ـ أن يجئ بعدها الإثبات العظيم الحق، وهو .... إلا الله.
الله الذي أحس الطيار الشيوعي بعض آثاره عندما رأى الأرض معلقة في الفضاء يكتنفها الفراغ من كل ناحية، فهتف دهشا من يحملها؟.

ونحن نجيب: مَن ؟ إلا اللهُ.
ــــــــــــــــ
الشيخ محمد الغزالي

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة