الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من يخرب المفاوضات يفكر بالحرب

من يخرب المفاوضات يفكر بالحرب

من يخرب المفاوضات يفكر بالحرب

اجتمعت القمة العربية في سرت، لتبحث في وضع سياسي شديد التعقيد، يستدعي قرارات سياسية من نوع خاص، فهل كان الملوك والرؤساء العرب جاهزين لذلك؟

منذ ما يقرب من عشرين عاماً، ومنذ مؤتمر مدريد بالتحديد (أواخر 1991)، اتخذ العرب قرارات سياسية تصب في اتجاه التفاوض مع "إسرائيل"، وفي اتجاه اعتبار السلام خياراً استراتيجياً. وبناء على ذلك كان كل اجتماع عربي، يقوم سلفاً على قاعدة سياسية متفق عليها، مهما كان نوع الخلافات العربية المثارة، وكنا نستطيع أن نخمن سلفاً وجهة القرارات التي ستتخذ. ولكن الوضع السياسي الآن يوحي بتبلور مرحلة سياسية جديدة تستدعي اتخاذ قرارات سياسية لا تقوم على القاعدة نفسها التي كانت مقررة من قبل؛ ف"إسرائيل" تصر على التفاوض من دون مرجعية أياً كانت، وترفض اعتبار أراضي 1967 أساساً للتفاوض، وترفض وقف الاستيطان، وتتطلع بعيون جديدة إلى مدينة القدس. يضاف إلى ذلك الموقف الجديد من نوعه الذي توقف عنده الرئيس محمود عباس، والقائل: إنه لن يذهب أبداً إلى المفاوضات المباشرة إذا لم تتخذ "إسرائيل" قراراً بوقف الاستيطان.

وإذا كان عباس المشهور بحماسه لمنهج التفاوض، قد وصل إلى هذه النتيجة، فمن المؤكد أن الزعماء العرب أيضاً، سواء على مستوى الملوك والرؤساء في القمة، أو على مستوى وزراء الخارجية في لجنة المتابعة، قادرون هم أيضاً على استخلاص النتائج السياسية المنطقية التي تترتب على وضع كهذا، وجوهرها أن الأوان قد آن لاتخاذ قرار عربي جديد يقول: لقد حاولنا طريق التفاوض والسلام، وثبت لنا أن "إسرائيل" لا تريد تفاوضاً ولا تريد سلاماً، ليس بسبب أسلوب التعامل مع القيادة الفلسطينية، بل وبسبب التعامل مع مبادرة السلام العربية أيضاً.

القرار العربي الجديد الذي يحسم مسألة التفاوض والتسوية يطرح مهمات أساسية أمام الفلسطينيين وأمام العرب.

أمام العرب تبرز المهمات التالية: الانتقال من الحوار إلى المواجهة. وتبدأ المواجهة بالضغط، الضغط بشكل أساسي على حلفاء العرب «المفترضين»، وفي المقدمة منهم الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الأساسية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، وكلها دول لها مصالح كثيرة مع العرب، سياسية واقتصادية ونفطية وتسليحية، يمكن المساومة عليها، وطلب مواقف سياسية جديدة مقابلاً لها.

وتبرز في بناء سياسي كهذا، تتباعد فيه المواقف بشكل كامل بين العرب و"إسرائيل"، حقيقة أن المواقف ستنتقل بالضرورة معها من ميدان الحوار إلى ميدان المواجهة بكل أنواعها المتدرجة، ثم تصل بالضرورة إلى احتمال التفكير بالمواجهة العسكرية. ولكل هذا نقول: إن القادة العرب يواجهون الحاجة إلى قرارات سياسية جديدة، سواء تم بحث ذلك في القمة أم خارجها، قرارات تقطع مع الماضي وتحتاط للمستقبل، ذلك أن البديل لا يعني إلا المراوحة في المكان نفسه، والإصرار على عدم استخلاص الدروس، وهذا ما لا يمكن أن يكون قراراً تكتفي به قمة طارئة.

وحين نقول: إن العرب إذ يجبرون ـ بسبب السياسة الإسرائيلية ـ على مغادرة موقف التفاوض، والانتقال إلى موقف الضغط والاستعداد للمواجهة التي قد تكون في النهاية عسكرية، لا نعلن موقفاً متطرفاً أو متشدداً، بل نحاول أن نقرأ المنطق السياسي للفشل، والمنطق السياسي في ضرورة الاستعداد لمواجهة نتائج الفشل.

إن هذا القرار مطلوب عربياً بقدر ما هو مطلوب فلسطينياً، بسبب التجربة نفسها، وبسبب نتائجها المفلسة إلى أقصى حد، وبسبب ما نراه من مبادرة إسرائيلية لإجراء القراءة نفسها من وجهة نظرهم، ولاستخلاص النتائج المنطقية لمغزى الأحداث من زاوية رؤيتهم، ولاتخاذ الإجراءات المناسبة لهم ولمصالحهم.

وهم في هذه القراءة يصلون إلى استنتاج أساسي يقول بضرورة استعداد "إسرائيل" للحرب. استعداد "إسرائيل" للحرب مع العرب وليس مع هذا الطرف أو ذاك. وهم يتحدثون عن الاستعداد للحرب بلسان كبيرهم، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي (غابي أشكنازي). ففي لقاء بين أشكنازي وأعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، تحدث أشكنازي بصراحة عما يعتبره خطراً يهدد "إسرائيل"، بينما اكتفت الصحف الإسرائيلية بنشر نتف من حديثه، بسبب خطورة ما قال، ولكن تلك النتف كافية لتظهر كيف أن الاستنتاج الإسرائيلي للتطورات يصل إلى النقطة الخطرة والحاسمة: الحرب.

قال أشكنازي: إن ما يجري حول "إسرائيل"، هو بمثابة التحركات التي تجري تحت الأرض، عميقاً، وتؤدي إلى هزات أرضية.

وحدد أشكنازي دائرة المخاطر التي تهدد "إسرائيل" بما يلي:

أولاً: المراحل التي عبرتها إيران على صعيد برنامجها النووي.

ثانياً: تداعيات الانسحاب الأميركي من العراق.

ثالثاً: المعادلات الإقليمية التي أرساها تنامي قدرات حزب الله في لبنان.

رابعاً: المرحلة غير المسبوقة التي بلغتها حركة حماس في قطاع غزة، على صعيد تنامي قدرتها العسكرية.

خامساً: التطور الذي طرأ على السياسة الخارجية التركية.

سادساً: ما يترتب على نتائج التوتر القائم في لبنان على صعيد المحكمة الدولية، وقضايا القرار الظني، وقضية شهود الزور.

سابعاً: تداعيات فشل المفاوضات المباشرة على الساحة الفلسطينية لجهة إمكانية قيام انتفاضة جديدة في الضفة الغربية.

هذا على صعيد الحديث الاستراتيجي أمام أصحاب الاختصاص، أما على صعيد التدريب والإجراءات العملية، فقد نقلت صحيفة «هآرتس» (6/10/2010) المعلومات العسكرية التالية: «يتدرب الجيش الإسرائيلي في النقب، بشكل قريب ومتطابق تماماً لما يجري على أرض الواقع، سواء في غزة، أو الضفة الغربية، أو الجنوب اللبناني». وتضيف الصحيفة على لسان ضابط إسرائيلي كبير: «إن الجيش يأخذ بالحسبان خلال التدريبات احتمال تعرضه لهجمات من قبل سورية». وختمت «هآرتس» قائلة: «إن المراقبين يرون أن حرباً ستشتعل قريباً، وإن الجيش الإسرائيلي يحضر لها منذ فترة طويلة».

هذا ما يقوله القادة العسكريون الإسرائيليون، وهذا ما يتدرب عليه الجنود الإسرائيليون، ومن خلال الأقوال والتدريبات لا يعود هناك مجال للشك بما تضمره "إسرائيل"، وبما تستعد له في حال إعلان فشل المفاوضات.

وحين تفكر "إسرائيل" بهذه الطريقة، وحين تستخلص هذه النتائج الحربية والعسكرية من خلال قراءتها لتطور الأحداث، فإن العرب يخطئون في حق أنفسهم، وفي حق أمن واستقرار بلدانهم، إذا لم يفكروا بالطريقة نفسها. ففي حالات الصراع والصدام، من يرفض السلام لا بد أن يفكر بالضرورة في احتمالات الحرب.

"إسرائيل" تفكر في الحرب، ومن العبث بعد ذلك أن ينحصر النقاش العربي بالذهاب أو بعدم الذهاب إلى المفاوضات المباشرة إذا ما توقف الاستيطان، إذا توقف فقط!!

ولا بد من النظر إلى المحيط الإقليمي الشامل، وتقدير الوضع بناء على ذلك، تماماً كما يفعل الإسرائيليون.

هذا هو واجب القادة. وهذا هو واجب القيادة. قبل القمة وأثناءها وبعدها.

ـــــــــــــــــــــــــ

الشرق الأوسط

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة