الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى

الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى

الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنما الْأَعمال بِالنِّيات وإِنما لِكل امْرِئ ما نوى، فمن كَانت هجرته إِلى دنيا يصِيبها أو إِلَى امْرأَة يَنكحها فهِجرته إِلَى مَا هاجر إِلَيه). متفق عليه واللفظ للبخاري.

النيات ) جمع نية وهي القصد وعزم القلب على أمر من الأمور. الهجرة: هي مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام خوف الفتنة وقصدا لإقامة شعائر الدين.
منزلة هذا الحديث في الدين:

هذا الحديث عظيم الموقع كثير الفائدة أصل من أصول الدين، قَالَ أبو داود: إنه نصف الفقه، وقال الشافعي رحمه الله: هذا الحديث ثلث العلم؛ وسببه كما قَالَ البيهقي وغيره : أن كسب العبد بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية أحد أقسامها الثلاثة، وأرجحها؛ لأنها تكون عبادة بانفرادها بخلاف القسمين الآخرين؛ ولأنَّ القول والعمل يدخلهما الفساد بالرياء ونحوه، بخلاف النية.

المعنى الإجمالي:

هذا الحديث العظيم، تضمن قاعدة جليلة من قواعد الإسلام، هي القياس الصحيح لوزن الأعمال، من حيث القَبول وعدمه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أن مدار الأعمال على النياتْ، فإن كانت النية صالحة، والعمل خالصًا لوجه الله تعالى، فالعمل مقبول، وإن كانت غير ذلك، فالعمل مردود، فإن الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك، ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاَ يوضح هذه القاعدة الجليلة بالهجرة، فمن هاجر من بلاد الشرك، ابتغاء ثواب الله، وطلباً للقرب من النبي صلى الله عليه وسلم، وتعلم الشريعة، فهجرته في سبيل الله، والله يثيبه عليها، ومن كانت هجرته لغرض من أغراض الدنيا، فليس له عليها ثواب، وإن كانت إلى معصية، فعليه العقاب.

فوائد الحديث العقدية:

ـ مدار الأعمال كلها على النيات، فتصرفات المكلف تابعة لنيته، فتكون صحيحة إذا كان القصد صحيحًا، وتكون فاسدة إذا كان القصد فاسدًا.
ـ الحث على ملازمة الإخلاص لله في كل الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، والحذر من الرياء والسمعة والعمل لغير الله، فهو محبط للعمل ومانع من الثواب، لأنّ الله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلاّ ما كان خالصاً له، وفي الحديث: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (قال اللَّهُ تبارك وَتعالى: أَنا أَغنى الشُّركاء عن الشِّرك من عمل عملا أَشرك فيه معي غيرِى تركْته وشركه). صحيح مسلم.

ـ أهمية الاعتناء بالقلوب في إصلاحها وتطهيرها، لأنها محل نظر الله تعالى، وفي الحديث: (فإنَّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) صحيح مسلم.

وفي الختام حريٌ بمن علم منزلة هذا الحديث ومكانته في الإسلام أن يجرد نيته في جميع أعماله وأقواله، ويجعلها خالصة لله تعالى، فكم من عمل عظيم صغرته النية، وكم من عمل يسير عظمته النية.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة