الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نوبات الهلع جعلتني أزور الطوارئ بشكل دائم!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

منذ حوالي أسبوع، صحوت على تنميل في يدي اليسرى، مع ضربات قلب سريعة، وتبين أنها نوبة هلع، عملت فحص الإيكو، وظهر أن القلب سليم، لكن ما زال يأتيني وجع في الصدر، والكتف، وتنميل في أصابعي، ووجهي، ورأسي، كما أجريت رسم قلب، وظهر سليمًا أيضًا، ومع ذلك أخاف من الموت.

كلما جلست أفكر، يراودني هاجس: هل سيتوقف قلبي وأنا نائم؟ فأقيس نبضي وأركز فيه، وأصبحت أخاف من الأمراض، أهلي يقولون: إنني أمثل، لكنني لا أستطيع أن أعيش بشكل طبيعي، إحساس الخوف من الموت يأتيني خصوصًا عند النوم، وأحيانًا أثناء الصلاة، لدرجة أنني أترك الصلاة وأخرج من المسجد.

كل يوم أذهب إلى الطوارئ بسبب عرض جديد، وهناك يقولون لي: إنه لا يوجد شيء، أي وجع بسيط في جسمي أتخيل أنه مرض خطير، وحتى الصداع أظنه جلطة، أحيانًا أصرخ كثيرًا عندما يأتيني تنميل في الوجه، بعض الناس قالوا لي: إنه وسواس، ونصحوني بتجاهله، لكنني لا أستطيع.

تعبت، ولم أعد قادرًا على النوم أو أن أعيش حياتي بشكل طبيعي، ومستواي الدراسي تدهور، أصبحت أتخيل سيناريوهات أنني سأصاب بسكتة قلبية، أحيانًا تكون ضربات قلبي بطيئة، فأركز فيها وتأتيني نوبة هلع، وأحيانًا تكون قوية لدرجة أنني أشعر بها في رأسي ووجهي، مع ألم شديد في جانبي، لا أستطيع النوم بسبب كثرة التفكير الزائد.

أرجوكم، أريد حلًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك (بُني) عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال.

ما مررت به معروف لدينا، وهو ما نُسميه (نوبات الهلع)، كما ذكرت أنت في سؤالك، ويفيد أن نُثقف أنفسنا ونتعرف على ماهية نوبات الهلع هذه، فهي نوبات نفسية ليس وراءها أسباب عضوية، تأتي إلى الإنسان فجأة، فيشعر بالخوف والارتباك والتوتر والقلق، شاعرًا بتسارع ضربات قلبه، وربما أعراض أخرى كالصداع، أو التنميل، أو غيرها، ولكنها كلها بسبب هذه الهجمة أو النوبة، نوبة الهلع.

بُني: في مثل سنك لا أعتقد أن لديك مرضًا عضويًّا، وهذا أكَّده لك أطباء الطوارئ، ولكن أريد أيضًا أن أذكِّرك أن الإنسان عندما يُصاب بنوبات الهلع، فإنه يُبادر إلى الطوارئ كلما أتت نوبة، فزيارة للطوارئ بعد أخرى، ثم أخرى، ودومًا يؤكدون له بأنه لا توجد لديه أمراض عضوية، وهذا أيضًا يطمئننا من خلال قيامك بتخطيط القلب والإيكو، وكلها نتائج طبيعية.

أرجو أولًا أن تقتنع بأن لديك حالة نفسية، وليست بدنية، أنا أطلب منك أن تقتنع بهذا، مع علمي بصعوبة تقبله، وطبعًا عندما نقول إنها حالة نفسية، فنحن لا نقول إنها متخيَّلة أو غير موجودة، لا، بل هي نوبة حقيقية، فيها تسارع القلب والتعرُّق، والرجفان، والارتباك، وغيرها، ولكن أسبابها غير بدنية، غير عُضوية، وإنما هي أسباب نفسية.

في بعض الأحيان يمكن أن ندرك أسباب هذه النوبات من التوتر والقلق، وربما تكون بسبب بعض الصعوبات الحياتية، ولكن في أحيانٍ كثيرة لا نستطيع أن ندرك ما سبب هذه النوبات في هذا الوقت بالذات، فما علينا أن نقوم به الآن؟

أولًا: أرجو أن تتوقف عن مراجعة قسم الطوارئ؛ فإن هذا لن يفيدك بشيء، ودومًا سيؤكدون لك بأن هذه أمور نفسية غير عضوية.

ثانيًا: لن أطلب منك أن تتجاهل هذه الأعراض، فمن الصعب أن تفعل ذلك، فمثلًا إذا طلبت منك ألَّا تتخيل فيلًا أصفر اللون، فالغالب أنك ستتخيل فيلًا أصفر اللون؛ لذلك من الصعب أن تتجاهل هذه الأعراض، ولكن بدل تجاهلها عليك بمواجهتها، أي تُدرك أنها أعراض مزعجة، مخيفة بالنسبة لك، تُذكرك بالموت، إلَّا أنها لن تُسبب لك الأذى، وخاصة لشاب في مثل سِنِّك في السادسة عشرة من العمر.

ثالثًا: لاحظتُ في بياناتك أنك لا تعمل، فأمْرٌ أساسي أن تملأ وقتك بما هو مفيد، لماذا لا تعمل؟ ولماذا لا تدرس وأنت في مثل هذا السن؟ أرجو أن تفكر في مستقبلك، فعلاج هذه النوبات هي أن يكون لديك هدف واضح في هذه الحياة: كالدراسة، أو تعلُّم مهنة معينة، أمَّا البقاء هكذا بدون عمل وبدون ملء الفراغ؛ فهذا أمر ضارٌّ لك على المدى القريب والبعيد.

فإذًا (بُني) استفد من نوبات الهلع، بأن تكون على خطة فيما ينفعك في الدنيا والآخرة، وأنا أُهنئك وأدعو الله تعالى لك بالثبات على أنك ترتاد المساجد، وتحافظ على صلاتك، فلا شك أن هذا أمر مفيد.

وأخيرًا: لا بد من نمط حياة صحي، بما فيه من النشاط البدني -وخاصة لشاب في مثل سنك- وساعات نوم مناسبة، والتغذية الصحية المتوازنة، وشيء من الحياة الاجتماعية مع أصدقائك ورفقاء الخير، مبتعدًا عن رفقاء السوء.

أدعو الله تعالى أن يشرح صدرك، ويُيَسِّر أمرك، ويكتب لك تمام الصحة والعافية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً