الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ولدي المراهق يؤذينا ويؤذي إخوته كثيرًا، فكيف نقومه؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا في حيرة من أمري، لدي ابن يبلغ من العمر الآن 16 سنة، لقد تعاملت معه بكل طرق التربية الحديثة، وتخويفه من الله، وكل شيء، ولكن لا يريد أن يصلح حاله، منذ الصغر وإلى الآن، ولكن -للأسف- لقد تعلم المعاملة السيئة، من أين؟ لا أعرف! إنه يتلفظ بألفاظ بذيئة للغاية، ويسب وممكن -أعاذنا الله- يكفر، وغير ذلك، يعامل إخوته معاملة سيئة من الضرب، لكن بطريقة خفية، ويحلف 100 يمين أنه ليس هو بل أخاه أو أخته، فأحتار، كيف أتعامله معه؟ أضربه، مع أنه يقول: غير مهم، ضربة توجع قليلاً وتنتهي، أخوفه من والده، فيقول: غير مهم، ماذا سيفعل؟

احترت واحتار دليلي معه، أخذته هذا العام إلى العمرة لعل الله يهديه، ولكن للأسف زاد في عناده ومناوشته لإخوته ولي ولوالده، حتى إنه يرد على والده بألفاظ غير سوية، علماً أن المدرسة حولته لطبيب نفسي وهو صغير لكثرة شكاوى المدرسين، وقد مدح الطبيب ذكاءه وتفكيره، وأوصاه بالصلاة وذكر الله، ولكنه -للأسف- هذا الذكاء يستخدمه في الخراب والدمار والسرقة، وخاصة من إخوته ومني، وفي التفكير الشرير، حتى إن والده أسماه شيطون من كثرة شيطنته، وعدم سماعه للكلام.

علماً أنه ليس له أصدقاء يعلمونه السلوكيات السيئة، والآن يفكر في الحصول على رخصة السياقة، وأن يكون لديه بيت مستقل، والكثير من أحلام المراهقين، ويقول لنا: إنه سوف لن يركب أحداً سيارته، ولن يدخل أحداً بيته، وعلى هذا الموال طول اليوم، فلا يفكر بدراسته ولا بمستقبله.

بالله عليكم ماذا أفعل معه؟ كيف أرشده؟ مع أني كما ذكرت آنفا أني علمته وأرشدته، ولكن لا يسمع الكلام، والذي في رأسه ينفذه، ولأنني أمه، أعرف ماذا يريد أن يفعل قبل أن يفعله! وذلك حتى لا تقع مصيبة أخرى، ماذا أعطيه من دواء حتى يغير تفكيره الشرير؟

أعاذكم الله من هذا الإنسان.

وجزاكم الله خيراً عني وعن كافة المسلمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / م . خ حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

كان الله في عونك، وربط على قلبك، وصرف عنك وعن ولدك وأهل بيتك كل مكروه وسوء، وهدى ولدك وأهله، ومنّ عليه بالاستقامة.

والذي أرجوه ألا يدفعك هذا الموقف وتلك التصرفات إلى اليأس أو الضعف؛ لأن الطريق أمامك ما زال طويلاً، وتماسكك من أهم أسباب العلاج؛ لأن الضعف يشل التفكير ويشتت الذهن ويورث الهزيمة.

وأما عن العلاج فأقترح ما يلي:
أولاً: ضرورة مراجعة طبيب نفساني متخصص، للوقوف على طبيعة ولدك، وكيفية معالجته والتعامل معه.

ثانياً: لا مانع من الاستعانة ببعض الإخوة المعالجين بالرقى الشرعية، لاحتمال أن هناك شيئاً من هذا الجانب.

ثالثاً: أقترح إهماله وعدم الالتفات إليه، وإشعاره بعدم الاهتمام به، وأنه ليس بشيء، وعدم التعليق على تصرفاته، حتى يشعر بأنه بإمكان الأسرة أن تستغني عنه، وأنه شخص غير مرغوب فيـه ما دام ليس سوياً ولا محترماً.

رابعاً: أهم علاج هو الدعاء، فعليك بالدعاء والإلحاح على الله أن يصلحه، وأن يذهب عنه ما هو فيه.

خامساً: تصدقي بصدقة على الفقراء أو المساكين بنية إصلاحه، عسى الله أن يهديه.

مع دعواتي لك بالثبات والصبر وله بالهداية والتوفيق.
--------------------------------------------------------------
انتهت إجابة: الشيخ موافي عزب مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
تليها إجابة: د. محمد عبدالعليم مستشار الطب النفسي وطب الإدمان:
-----------------------------------------------------------------
الأخت الفاضلة: جزاك الله خيراً على سؤالك، ونسأل الله لابنك الهداية ولنا جميعاً.

أود أن أؤكد لك أن مثل حالة ابنك تعاني منها الكثير من الأسر، ومن الواضح أنه يعاني مما نسميه اضطرابات المسلك، والذي يعرف في أشد حالاته بجنوح الصِّبية، حالة ابنك توضح أن هنالك تمرداً من جانبه على سلطة الأبوة والأمومة، وغالباً ما يكون مرد ذلك لخلل تربوي في السنوات الأولى، مع تواجد استعداد فطري لديه لاضطراب المسلك، وتظهر مثل هذه السلبيات في أوجها عند سن المراهقة.

لا أريدك أن تشعري بالذنب، لأن الأطفال ليسوا بشريحة واحدة، فهنالك من يفيد معه التشجيع والترغيب، وهنالك من يحتاج إلى الترهيب والتوبيخ أحياناً، بالنسبة لابنك لا بد أن يكون هنالك اتفاق بينك وبين أبيه بأن تعاملاه بطريقة واحدة، بمعنى أن لا يتهاون أحدكما ويظهر الآخر الشدة حياله.

أريد أن أؤكد لك أن أسلوب الضرب في هذه السن لا يجدي، إنما تكون نتائجه عكسية؛ لأنه يمثل إهانة لابنك، ويضعف شخصيته مستقبلاً، ويجعل الأمور الإيجابية والسلبية في إطار واحد، لأنه يعرف أنه سوف يعاقب في أي لحظة من اللحظات.

أرجو أن تختاري لحظات الصفاء التي يكون فيها مزاجك معتدلاً ومزاج ابنك كذلك، وتتحدثي إلى ابنك وتشجعيه وتشعريه أنه هو الأكبر والقائم على رعاية إخوانه، وأنك تثقين فيه، ولا بد أن يصاحب ذلك عدم الانتقاد اللاذع، مع ضرورة تشجيعه على أي عمل إيجابي يقوم به حتى ولو كان بسيطاً، ومن الأشياء المفيدة أيضاً التغاضي عن بعض أخطائه، وعدم التركيز عليها، وأنصحك بأن توجهي طاقات هذا الابن إلى أشياء أخرى، مثل ممارسة الرياضة، والمشاركة في الجماعات، وتدريبه على كيفية مقابلة الضيوف، ورفع مهاراته الاجتماعية.

لا ننصح كثيراً بتناول الأدوية، وإنما التركيز يكون على الإرشاد السلوكي السابق الذكر، مع ضرورة الصبر عليه، وعدم سرعة الإثارة والانفعال، ففي بعض الحالات يكون اضطراب المسلك مرتبطاً بنوع من الاكتئاب، وتكدر في المزاج لدى الصبية، وفي مثل هذه الحالات ننصح بتناول بعض الأدوية، ومنها العقار المعروف باسم (تفرانيل) 25 مليجراماً، يمكن أن يتعاطاه بواقع حبة ليلاً لمدة ستة أشهر، وهو دواء سليم ومحسن وضابط للمزاج بصورة فعالة.

إذا أصبحت الأمور -لا قدر الله- خارج السيطرة، فإننا ننصح بمقابلة أحد الأطباء أو الأخصائيين النفسيين، وذلك من أجل العلاج النفسي الأسري؛ لأن في كثير من الحالات تكون الأسرة كلها محتاجة لمن يعيد كل فرد فيها لدوره الطبيعي، الذي من المفترض أن يلعبه، حتى تتمتع الأسرة بصحة نفسية سليمة.

ختاماً: أسأل الله لابنك الشفاء، وأرجو أن لا تنسيه دائماً من صالح الدعاء، وأود أن أؤكد لك أن كثيراً من مثل هؤلاء الشباب تحولت وتعدلت سلوكياتهم بصورة إيجابية جداً، لدرجة لم يتوقعها أحد.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً