الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هاجس الزواج وشريك العمر لا يفارقني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كم يُسعدني أن أسأل أهل الذكر في ما لا أعلم، فأنا فتاةٌ بلغت من العمر (24) عاماً، والحمد لله فقد أنهيت دراستي الجامعية، وحصلت على وظيفة، لكن هاجس الزواج وشريك العمر لا يفارقني، وبصراحة كل هذا بسبب ضغط المجتمع والأهل، فهم غير مستوعبين أن الزواج رزق من الله، وله موعده الذي لا يعلمه إلا الله، وأحس بشفقة الناس، وخصوصاً الأقارب، مع أني أملك قدراً من الجمال بشهادة الجميع، وكلما دُعينا إلى فرح أو عرس أحس بالضيق، مما اضطرني إلى أن أضعف أمام الشيطان وأبحث عن وسائل كي ألتقي بالعريس، ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل؛ لأنني –بصراحة- لا يمكن أن أأتمن نفسي على رجل لا يخاف على بنات الناس.

ملاحظة: لقد عقد قراني في السابق على شخص تحت ضغط الأهل، ولكني لم أكن أتقبله نهائياً، وقررنا الانفصال (خطبتي بقيت لمدة أسبوعين) أفيدوني ماذا أفعل؟ مع العلم أني بحاجة إلى السكن والطمأنينة، فقد تعبت!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ف.ب.ط حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فمرحبا بك أختنا الكريمة باستشارات إسلام ويب، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتم فضله عليك، ويرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك.

لا شك أيتها الأخت العزيزة أن الله عز وجل قد أنعم عليك بنعم كثيرة، فينبغي أن تجتهدي في شكر نعم الله تعالى عليك، وتحسني عبادته والثناء عليه فيما أعطاك، وقد أحسنت غاية الإحسان في تذكرك بأن الزواج رزق من الله تعالى، وله موعده الذي لا يعلمه إلا الله، وبهذه الروح ستعيشين حياة راضية مطمئنة، فإن الله عز وجل قد كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فلا تهتمي ولا تحزني، وما قدره الله عز وجل كائن لا محالة، ومما يزيدك رضا وسرورا أيتها الكريمة أن تعلمي جيداً أن الله تعالى أرحم بك من نفسك، وأنه لا يقدر لك إلا ما هو خير لك، فالإنسان قد يحرص كل الحرص على شيء، والله تعالى يعلم أن الخير له في خلافه، كما قال جل شأنه: (( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ))[البقرة:216] فربما كان تأخير الزواج خيراً لك وأنت لا تشعرين، فالله تعالى بعباده رؤوفٌ رحيم، وهو أرحم بك من نفسك لا محالة، ومن ثم فقرّي عيناً واهدئي بالاً إلى ما يقدره الله تعالى لك، فالخير كل الخير فيما اختاره الله، وأنت -ولله الحمد- لا تزالين في سنٍ مبكرة، ولا يزال الأمل والطمع في حصول الزوج كبيرٌ، لاسيما مع ما منحك الله عز وجل من الجمال في الخلقة ونعمة التعليم، وإكمال الدراسة، ووجود الوظيفة ونحو ذلك، فهذا كله من المرغبات إن شاء الله في تحصيل الزوج المناسب.

ولكننا أيتها العزيزة في الوقت نفسه نحذرك كل الحذر من استدراج الشيطان، احرصي كل الحرص على تجنب حبائل الشيطان التي يريد من خلالها استدراجك في الوقوع فيما لا تحمد عاقبته، تجنبي كل العلاقات التي يمكن أن تقعي فيها مع الرجال الأجانب، سواءً عن طريق النت أو غير ذلك، فإنه سيجرك إلى أبواب التعاسة والشقاء من حيث لا تشعرين، وكوني على ثقة بأن رزق الله تعالى لا ينال بمعصية الله، فقد قال النبي صلى اله عليه وسلم -واحفظي هذا الحديث جيداً-: (فلا يستبطئن أحد منكم رزقه، إن جبريل ألقى في روعي أن أحداً منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب، فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله، فإن الله عز وجل لا ينال فضله بمعصية) فهذا الحديث العظيم يبين فيه النبي عليه الصلاة والسلام أنه ليس من الأسباب التي تجلب للإنسان الرزق وقوعه في معصية الله، فاحذري كل الحذر من إقامة أي علاقات مع شباب ومع رجال أجانب عنك، قد يسول لك الشيطان ويزين لك أن هذا سبب لتحصيل الزوج أو نحو ذلك، فهذه أوهام شيطانية يريد فتح باب الشقاء عليك، فاتقي الله تعالى وجنبي نفسك هذا، وهناك أساليب صحيحة مؤدية -بإذن الله تعالى- إلى تحصيل المقصود ينبغي أن تحرصي عليها:

أولها: إصلاح الحال مع الله تعالى، فأصلحي حالك مع الله، وأدي الفرائض التي فرضها الله عليك كفرائض الصلوات وفريضة الحجاب، وتجنبي المحرمات؛ فإن الله تعالى وعد المتقين بالرزق، فقال سبحانه وتعالى: (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ))[الطلاق:2-3].

ثانيها: الإكثار من الاستغفار؛ فإن الاستغفار بابٌ عظيم من أبواب الأرزاق، كما قال الله تعالى: (( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ))[نوح:10-12].

ثالثها: الاستعانة بالدعاء، فإن الله يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ومهما كان هذا المضطر عاصياً مذنباً فإن الله تعالى يجيبه إذا دعاه باضطرار، وحتى إن كان كافراً فإن رحمة الله تعالى تسبق غضبه، فاجتهدي في الدعاء، لاسيما في الأوقات التي يعظم فيها رجاء الإجابة، كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ونحو ذلك، وأحسني الظن بالله تعالى بأنه سيرزقك، وأنه قادر على أن يرزقك الزوج المناسب، وأنه سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، وأنه على كل شيء قدير، وخزائنه ملأى، فأحسني الظن بالله، وأنه قادر على أن يعطيك ما ترجين، فإنه قال في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي).

رابعها: الاستعانة بالمخلوقين الذين يقدرون على هذا من أهل الثقة، فاستعيني بمجالسة النساء الصالحات الطيبات، وأكثري من إقامة العلاقة معهن؛ فإنهن من خير الأعوان على البحث على الزوج الصالح، واستعيني بمحارمك من الإخوان والأعمام والأخوال، وكل من تقدرين عليهم من الرجال في البحث عن الرجل المناسب، ولا بأس إذا وجدت بعض القنوات الموثوقة التي يقوم عليها أهل الثقة والصدق والأمانة، سواءً كانت قنوات أو مواقع، فلا بأس في أن تستعيني بهذه القنوات والوسائل إذا كانت موثوقة في البحث عن الزوج المناسب، وننصحك بأن لا يكون استعمالك لهذه الثقة بنفسك، بل احرصي كل الحرص أن يكون ذلك عن طريق أحد محارمك كإخوانك أو غيرهم؛ حتى لا يفتح عليك الشيطان بابا تقعين فيه في فخه، فيجرك إلى الوقوع في ما لا تحمد عاقبته، ويجر عليك أنواع التعاسة والشقاء

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقك الزوج الصالح، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً