الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلاج الدوائي والسلوكي من نوبات الهلع المصحوبة بالوساوس المرضية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشكلتي هي أنني كنت مدخناً، وكنت في يوم من الأيام أصلي صلاة الفجر، وفجأة جاءني تفكير برأسي يقول: (الآن لو تحدث لك كتمة وتسقط وتموت) وأصبحت أفكر في الموت والأمراض والسرطانات والتشنجات، وأفكر أني أبلع لساني، وكيف سينقذني أهلي لو علموا بأني بلعت لساني، وفجأة حدثت لي كتمة وانقطع نفسي لمدة ثوان فقط، وشعرت بتنميل في جسمي وتعرق وأنا ساجد، وقلت: هذا الموت.

ذهبت إلى المستشفى، وعملوا لي تحليل دم، وتخطيط قلب، وأشعة على صدري، وكلها كانت سليمة، وكل يوم وأنا في مستشفى؛ لأني لم أصدقهم، وأقول: هؤلاء يكذبون علي، وأحس أني مكتوم، ولازمتني الكتمة، وقد راجعت أربعة مستشفيات وكلهم يقولون: إنك سليم، وكلما أذهب لقضاء حاجة ما، كالحلاقة مثلاً أو تفصيل ثياب، أقول: الموت سيأتي فلماذا أفصل ثياباً؟ حتى أن جميع جسمي يؤلمني من الكتمة والتعرقات والتنميل والدوخة، حتى حفلة تخرجي لم أهنأ بها، وكلما جلست مع أحد أسأله عن الموت وعن أعراض مرض القلب، وكلما أقرأ عن أي مرض وأعراضه أحس أن كلها فيّ، وأذهب للمستشفى ويقولون: سليم، ولا أحب أسمع خبر وفاة أحد أو مرض أحد، وأي مرض بسيط يأتيني أستسلم للموت، ويأتيني وسواس بأن قلبي يؤلمني، وأن عندي مرض القلب ومرض الذبحة الصدرية، وأن عندي مرض السرطان، وأخاف أن أكون في مكان يتجمع فيه الناس كالزواج أو مناسبة ما؛ خوفاً من أن أموت في المناسبة أو الزواج، ولا أحب أن أكون بمفردي، سواء كنت في السيارة أو في البيت.

أيضاً عندي خوف رهيب من المصاعد، وأقول: لو أدخل المصعد وأُغلق علي ويبدأ التفكير السلبي، مع أني قطعت الدخان منذ ستة أشهر ولله الحمد، ومحافظ على الصلوات كلها، فهل من وصفة علاجية ليس لها تأثير على حالتي الصحية؟ طمئنوني جزاكم الله خيراً، وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ متعب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بدايةً أود أن أتقدم لك بالتهنئة الخالصة بتوقفك عن التدخين، ومحافظتك على الصلاة، وأسأل الله تعالى أن يديم عليك هذه النعمة، وهذا التطور الإيجابي يجب أن يكون دافعاً لك من أجل المزيد من التحسن.

الحالة التي وصفتها -وقد أعجبني وصفك جداً لأنه دقيق ومفصل- هي نوبة من نوبات الهلع، أو ما يسمى بالهرع، والبعض يسميه بالاضطراب الفزعي، وهذا تتولد منه مخاوف، وكذلك بعض الوساوس، وتحولت حالتك إلى ما نسميه بالمراء المرضي، وأنا لا أحب كلمة التوهم المرضي، ولكن الوصف الذي أوردته يوضح أنك قلق، وأُصبت بالكثير من الوساوس والمخاوف حول صحتك، وهذا نوع من القلق النفسي، وليس أكثر من ذلك، هذا هو التشخيص بالنسبة لحالتك.

أما آليات العلاج، فأنصحك أولاً: أن توقف التردد على الأطباء، وتراجع فقط طبيب الأسرة، أو أي طبيب باطني تثق فيه مرةً واحدة كل ستة أشهر، حتى وإن كنت لا تحس بأي شيء، اذهب إلى الطبيب ليقوم بإجراء الفحوصات العامة، والتأكد مثلاً من ضغط الدم ووضع القلب، ووظائف الكبد والكلى، والسكر والدهنيات، هذه ما نسميه بالفحوصات الروتينية، وهذه الطريقة وجد أنها جيدة ومطمئنة جداً.

الأمر الثاني هو: أن تدير وقتك بصورةٍ فاعلة، فأنت الآن تخرجت، ولا شك أنه من المفترض أن تبحث عن عمل، أو تفكر في دراسات فوق الجامعية، ولديك الكثير الذي يمكن أن تعمله، وأرجو أيضاً أن تتواصل اجتماعياً، ويجب أن تمارس الرياضة؛ ففيها قيمة علاجية كبيرة جداً، وأكثر من الاطلاع، وزد من نشاطاتك الاجتماعية، وهكذا، إذن: فإدارة الوقت بصورةٍ فاعلة تقلص كثيراً من أعراض القلق والمخاوف.

ثالثاً -أخي الكريم-: سوف أصف لك بعض الأدوية الفعالة جداً والممتازة، والتي عُرف عنها أنها تُعالج مثل هذا النوع من الأعراض، والدواء الأفضل يُعرف باسم سبراليكس، وهو متوفر في الصيدليات، أرجو أن تبدأ تناوله بجرعة 10 مليجرام، تناولها بعد الأكل، ويمكن أن تتناولها نهاراً، وإذا سببت لك شيئاً من النعاس فيمكن أن تتناولها ليلاً، استمر على هذه الجرعة لمدة شهر، وبعد ذلك ارفع الجرعة إلى 20 مليجرام يومياً، واستمر عليها لمدة 6 أشهر، ثم خفض الجرعة إلى 10 مليجرام يومياً لمدة شهر، ثم إلى 5 مليجرام يومياً لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

هذا الدواء من الأدوية الفاعلة الممتازة والسليمة وغير الإدمانية وغير التعودية، ومن آثاره الجانبية البسيطة أنه ربما يسبب لك زيادةً بسيطةً في الوزن، وهذه يمكن التخلص منها بالطبع عن طريق ممارسة الرياضة، وكذلك الترتيب الغذائي الذي من خلاله تتجنب الأطعمة التي تحتوي على سعرات حرارية عالية، والسبراليكس أيضاً قد يؤخر بسيطاً في الإنزال المنوي والقذف لدى بعض الرجال، ولكنه لا يسبب أي عقم، أو إخلال بهرمون الذكورة، أو القدرة على الإنجاب.

إذن: أنت الآن أمام آليات علاجية تتمثل في الإرشادات السلوكية السابقة التي ذكرناها لك، وتناول الدواء الذي وصفناه لك، وبصفةٍ عامة فالمخاوف دائماً تُعالج بمواجهتها وتحقيرها، فالخوف من المصعد مثلاً، قل لنفسك: (ما الذي يجعلني أخاف من المصعد؟ كل الناس تركب المصعد) وحاول أن تكثر من الدخول في ركوب المصاعد، أكثر من ذلك، وهذه من الوسائل الدوائية البسيطة والفاعلة جداً.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأنا أطمئنك تماماً أن حالتك بسيطة جداً، وبإذن الله تعالى سوف تشفى منها تماما.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً