الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إساءة الآخرين إلى الإنسان.. السبب والعلاج

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكراً جزيلاً لكم على الموقع المفيد والهام، وعلى المجهود المبذول فيه.

مشكلتي هي إساءة الآخرين لي أسوأ إساءة، قد تصل أحياناً إلى سب وبدون سبب! لأنهم يستضعفونني، فماذا أفعل؟ هل أرد لهم هذه الإهانات إذا جاءت الفرصة؟ أنا حزين جداً، هل لأني فرطت في كرامتي؟ أم ماذا أفعل؟! أنا أحس بهم ينظرون لي نظرة استهزاء، لأني غير قادر على الرد عليهم، فماذا أفعل؟ وهل أنا عديم الكرامة الإنسانية، أم ماذا؟

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يزيدك حلماً وأناةً وصبراً، كما نسأله تبارك وتعالى أن يصرف عنك إساءة المسيئين، وأن يرد عنك اعتداء المعتدين، وأن يجعلنا وإياك من صالح المؤمنين.

بخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل – من أن مشكلتك هي إساءة الآخرين لك أسوأ إساءة، قد تصل أحياناً إلى السب وبدون سبب، وذلك لأنهم يستضعفونك، وتسأل ماذا تفعل؟ هل ترد عليهم هذه الإهانات إذا جاءت الفرصة أم ماذا تفعل لهم؟ هل تنتظر وتترك الأمر لله تبارك وتعالى؟ إلى غير ذلك مما ورد بأسئلتك التي تدل على أنك تدور حول مشكلة معينة، ألا وهي إساءة الآخرين لك وعدم قدرتك أو عدم ردك عليهم.

أقول لك أخي الكريم الفاضل: إنه مما لا شك فيه أن هذا التصرف تصرف مزعج، وأن الإنسان مهما كان وضعه لا يُحب أبداً أن يهزأ به أحد أو يسخر منه أو يسبه أو يلعنه؛ لأن هذا اعتداء على ذات إنسان لا ينبغي لأحد أن يعتدي عليها، والله تبارك وتعالى جعل لنا حدوداً في التعامل، وحريتي تنتهي عندما تبدأ حقوق وحرية الآخرين، وليس من حقي مهما كنتُ أن أوجه السبَّ لأحد بغير جريرة، حتى وإن كان بسبب، فإن السبَّ واللعن ليست من صفات المؤمنين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن المسلم ليس بالسباب ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء، وأيضاً أخبرنا صلى الله عليه وسلم بقوله: (سباب المسلم فسوق وقتاله كُفر) وقال صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).

هذه حقوق كفلها لك الشرع، وأنه لا يجوز لأحد أن يعتدي عليك بأي صورة من صور الاعتداء، ومن حقك في حالة إذا اعتدى عليك أحد بغير سبب أن تثأر لنفسك وأن تنتقم لكرامتك، بشرط أن لا تعتدي وأن لا تتجاوز؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: ((وَلا تَعْتَدُوا))[البقرة:190] وأخبرنا بأنه لا يُحب المعتدين.

من هنا فإني أقول لك بارك الله فيك أخي الكريم (محمد): ينبغي عليك بداية أن تبحث في الأسباب التي تؤدي إلى هذه الإساءات، قطعاً لابد أن تكون هناك أسباب قد تكون أنت طرفاً فيها وقد لا تكون طرفاً فيها، وعادة السفهاء دائماً يتطاولون على من يرون فيه طيبة ومن يرون فيه انكساراً، ومن يرون فيه تواضعاً، أما لو كانوا أمام بعض الذين لديهم نوع من الشراسة والقوة فإنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك أبداً، وإنما كما ذكرت سفهاء من الخلق لا يجدون إلا هذا المكان المنخفض حتى ينفسوا فيه عن سوء أخلاقهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنهم ليسوا من أهل الفضل أو المروءة أو الاحترام.

أخي الفاضل: ابحث في الأسباب التي تؤدي إلى هذه الإساءة، احتمال أن تكون أنت طرفاً فيها أخي (محمد) فالناس قد يهزئون ويسخرون ويستهزئون بالإنسان الذي لا يحترم نفسه، أو الذي يتكلم بطريقة معينة مثلاً تدعو إلى السخرية والاستهزاء والضحك، أو قد يكون قد يمشي بطريقة معينة أيضاً فيها نوع من الهمجية وعدم الترتيب، أو قد تكون ملابسه غير مرتبة وغير مهيأة بطريقة صحيحة تدعو إلى الاستخفاف والاستهزاء والتطاول، فانظر في نفسك، هل فيك شيء ليس في الناس؟ إذا كان فيك شيء ليس في الناس يجعلك أقل من الناس أو يجعل الناس ينظرون إليك بعين الاحتقار ولازدراء، ويهزئون بك ويسخرون منك فحاول أن تغير نفسك؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11].

إذن هذه هي النقطة الأولى، لابد من البحث في نفسك أخي الكريم أولاً وقبل كل شيء، لماذا يهزأ بي هؤلاء ويسخرون مني ويسبونني رغم أني لا أصنع فيهم شيئاً سيئاً ولم أتطاول عليهم ولم أعتد عليهم!

ثانياً: الأمر يختلف أيضاً، فإذا كان هذا السباب والاستهزاء والسخرية تأتي من فئة معينة من الناس، فمن الممكن أن تقاطعهم وأن لا تتواصل معهم، حتى إن علمت أنهم في طريق معين لا تمشي فيه، وإن علمت أنهم في مكان معين لا تذهب إليه، حتى تقي نفسك هذه الإساءات وتلك الإهانات، خاصة إذا كنت لست بقادر على أن ترد عليهم، بمعنى أن ظروفك النفسية أو البدنية لا تُمكنك من الرد عليهم في حينه؛ لأن الفرصة إذا ضاعت انتهت، إنسان أساء إليَّ فأنا أوقفه، لا يلزم أن أسيء إليه كما أساء إليَّ، وإنما أسأله، أستوضح منه، وأشد عليه، وقد أشتكيه إلى الجهات المسئولة لا مانع من ذلك إذا اعتدى عليك؛ لأن هذا اعتدى على حق إنسان آخر.

إذا كانت هذه الإساءة تصدر من فئة معينة من أقرانك أو من زملائك أو من معارفك، ففي هذه الحال اجتنب هؤلاء وأرح نفسك ولا تعرض نفسك لمخاطر قد تجر إلى شيء أسوأ مما هي عليه الآن.

أما إذا كان هذا الاستهزاء وتلك السخرية من معظم من يتعامل معك أعود معك إلى النقطة الأولى وأقول: لعلك أنت السبب، فحاول أن تبحث في نفسك؛ لأن من عادة الناس أنهم لا يهزئون بأي أحد، وإنما الناس يهزئون ويسخرون من أشخاص معينة لهم طريقة معينة في الكلام، طريقة معينة في الملابس، طريقة معينة في المشي، طريقة معينة في المنظر العام الهيئة، هذه أشياء عادة قد تدعو كما ذكرت لك بعض السفهاء إلى التطاول والاستعلاء والسخرية، أما معظم الناس يمشون أمامك لا يسب أحد أحداً، ولا يعتدي أحد على أحد؛ لأن الإنسان ما دام ليس مثيراً للانتباه، وما دام لا تصدر منه أفعال تدعو إلى الاستهزاء والسخرية، فإنه يصعب جدّاً أن يعتدي عليه أحد، والناس يعتدون عادة على من وضعه غير طبيعي.

اعلم أخي الكريم أن المسلم عزيز وأنه ما ينبغي أن يقبل المهانة في دينه أبداً، فإذا ما سبّك ساب أو اعتدى عليك معتدٍ فقف له بقوة واسأله لماذا يفعل ذلك؟ أنت لا تسبه لأن السب ليس من صفات المؤمنين، ولكن من الممكن أن تُشعره بأنك قادر على أن ترد الصاع صاعين وأنك قادر على أن تنتقم منه، وأن سكوتك عن الإساءة ليس معناه الضعف، وإنما أنت رجل لا تريد أن تدنس لسانك بالكلمات البذيئة أو العبارات الساقطة، ولكن لابد أن يشعر الناس أخي (محمد) بأنك تثأر لنفسك، وأنك تنتقم لكرامتك؛ لأن كرامتك كرامة رجل مسلم من كرامة الدين، أما أن تكون رجلاً إمعة كلُ إنسان يريد أن يهزأ بك لا تستطيع أن ترد عليه، فالأولى أن لا تخرج للناس ما داموا بهذا السوء وتبحث عن مكان آخر تتعامل مع أهله بعيداً عن هذه الأشياء.

إذن غالباً هذه التصرفات لا تصدر إلا عن شخصية فيها نوع من التصرف الغير طبيعي وأيضاً الشخصية غير طبيعية، فأنا أرجو أن تنظر في نفسك وأن تنظر في تصرفاتك وفي هيئتك وفي طريقة مشيك وفي طريقة كلامك، وفي كل شيء في الظاهر، لماذا الناس يهزئون بي ويسخرون مني ويسبونني أنا دون بقية الناس؟ وقطعاً ستجد الجواب، وعندها بإذن الله تعالى سوف تتمكن من الرد المناسب بإذن الله، ولكن أنصحك بالعفو والصفح إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، وذلك بعد أن تُبيّن لهم أنك قادر على أن ترد عليهم أكثر مما قالوا ولكنّ دينك يمنعك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام عن الصائم: (فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم).

أسأل الله أن يغفر لنا ولك، وأن يتوب علينا وعليك، وأن يبصرنا جميعاً للحق، وأن يرد عنا وعنك كيد الكائدين واعتداء المعتدين، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر محمد

    السلام عليكم ورحمة الله و بركاته .أنا أيضا أعاني من نفس المشكلة.و كثيرا ما أدعو على أشخاص تسببوا بإيدائي بكلامهم ولكنهم لا يتغيرون و دائما ما يقولون تلميحات مزعجة يقصدونني بها ولكنني لا أرد عليهم حتى لا أعيرهم أي أهمية حتى أنني أصبحت أتمنى الموت لكي أتخلص من كيدهم.و يزداد أسفي يوما بعد يوم لأنه يوجد كثير مثل هؤلاء النمامين.كثيرا ما أتمنى أن أصبح مثلهم لأنتقم منهم ولكنني لا أستطيع تغيير مبادئي بين ليلة وضحاها.ولكن مع كل هذا الحمد لله هو القادر الجبار والمنتقم فحسبنا الله ونعم الوكيل

  • أمريكا المجتمع غير سوي

    حاولوا أنت تحتكوا بأشخاص محترمين.
    وأريد أن أشير الى نقطة مهمة ألا وهي أن مجتمعاتنا الاسلامية الان تنطبق عليها قاعدة مسلمين بلا اسلام.
    لو كنا مسلمين حقا لما اشتكى المسلم من أخيه المسلم.
    انا لله و انا اليه راجعون.
    الحل الثقة بالله و التوكل عليه. و عدم الاكتراث بما يقوله أتباع هوى الشيطان.

  • مصر medo

    اشكر الشخص الذى قام بالاجابه واحب ان اضيف ان هناك من يسبك لكى يرى مدى قوتك فاذا رددت عليه في بداية الامر تنتهى المشكله واذا حلمت عليه تجاوز لرؤيته ضعفك والمقصود انك اذا شعرت ان شخصا ما تجاوز معك تجاوز بسيط رد عليه سريعا لكى لا يتجاوز اكثر فان رأى ضعفك فاعلم انك سمحت له

  • عمان الحمدلله

    ،، السلاام عليكم " أنا كمان بعاني من هالمشكله مع إني بنت مرتبه وحلوه وطيوبه وما احب أجرح وأتغاضى عن الإساءه دايما بس تعبت ! يعني مسلمين وما عندهم إسلوب ويعرفون إن اللسان هو أكثر ما يجرح الشخص لكن يستمرون بقلة الإحترام حتى ولو الرسول والقرآن وضح هالنقطه ^_^ لكن الله كريم وحسبنا الله ونعم الوكيل

  • الأردن ما هذا

    مع احترامي الشديد للجواب، لماذا ينظر السائل في نفسه؟ فهناك أناس لم يتربو على احترام الآخرين، بل بالعكس، لم يتربو بالمرة، وكان مصدر تربيتهم هو الشارع، ويعتبرون البذاءة حذاقة، والتطاول على الناس قوة، وعندما يتصيدون انسانا محترما لا يتركونه بالمرة، وعلى الرغم من أن الخير في أمة محمد إلى يوم الدين، إلا أن أخلاق معظم الناس بتردي إلى الحضيض، وأنا أنصح السائل برفع الهمة، والرد بقوة على هؤلاء ولكن بذكاء حتى لا يصيبه إثم

  • فلسطين المحتلة Imjk

    حسبي الله ونعم الوكيل

  • رومانيا ابن الطير

    انا كانت معي نفس مشكلتك وكنت اصبر لااريد المشاكل وبعده كل معتدى علي احد رديته صاعين وبدو يحترموني اللي ياذوني وكانت فئه معينه من الناس ولله الحمد الطيبه في هاذ الزمن لاتنفع الله يفرجه عليك ودخلت اقراء اخاف ان اكون من الظالمين لاني ارد الصاع صاعين ولاكن طمني الجواب ع المسلم ان يثار لكرامته الله يثبتنا جميع يارب واسال الله ذو العرش العظيم ان يفك همك وهم جميع المسلمين

  • الجزائر الحياة حزينة

    انا كذلك امر بوضع قاس مرير رؤسائي في العمل لا يحترمونني بالمرة زملائي يعتدون علي بكل الطرق الممكنة اتعرض للتحرش الجنسي و الكلمات الجنسية البذيئة لا يحترمونني البتة رحماك ياالله.

  • ا مين

    يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيباً
    يزيد سفاهة فأزيد حلمـاً كعودٍ زاده الإحراق طيباً
    أعرض عن الجاهل السفيه فكل مـا قـال فهـو فيـه

  • العراق حيدر

    اهلا اخوتي

  • ام عمر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الرد من( ما هذا)الاردن جدا اعجبني وفقك الله، حقيقية هناك ردود من الأخوة في إسلام ويب تحتاج متابعة

  • الجزائر سمير الجزائر

    عانيت من نفس المشكل في يوم من الأيام عملت على نفس الطريقة التي تحدث بها في الرد وهي البحث عن الأسباب والقيام بعملية عربية و عزل هؤلاء الأشخاص في زاوية ضيقة وبعدها تصفية الحساب معهم فهناك بعض الناس صدقوني هدفهم الإهانة و بعدها الإهانة والله يعلم إلى ماذا يريدو أن يصلو والله يعلم بما في النفوس

  • مجهول ...

    انا اواجه نفس المشكلة من كثير ممن حولي. دعوت الله مرة على شخص يسخر مني ولكني طيبة القلب وتندمت واستغفرت الله بعدها مخافة ان يستجيب دعائي
    انا اشعر بالحزن الشديد دائما ..

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً