الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلاج المعرفي لشعور المرأة بأنها غير مرغوبة وإساءتها لأبنائها وزوجها

السؤال

أشعر أنني دائماً غير مرغوب فيّ، أفتعل المشاكل مع زوجي بسبب ودون سبب، والناس تنظر إليّ كأن فيّ شيء، ودائماً عصبية مع أولادي، لا أقدر على تحملهم، أعامل زوجي معاملة سيئة جداً، لأنني أحس أنه لا يحبني، ويشتم بناتي بأفظع الكلمات.

أرجو أن تجدوا لي حلاً، وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ علا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يضع لك القبول في الأرض، وأن يرزقك محبته جل جلاله، وأن يجعلك محبوبة من كل من يتعامل معك، وأن يُصلح ما بينك وبين زوجك، وأن يرزقك القدرة على ضبط أعصابك وعدم الثورة، وأن يمنَّ عليك بتربية أبنائك تربية طيبة مباركة.

وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – بأنك تشعرين بأنك شخص غير مرغوب فيه دائماً؛ ولذلك تفتعلين الاختلافات مع زوجك بسبب وبدون سبب، والناس ينظرون إليك كأن فيك شيئاً خاطئاً، وكذلك أيضاً أنت دائمة العصبية مع أولادك ولا تتحملينهم، وكذلك أيضاً تعاملين زوجك معاملة سيئة - كما ذكرتِ - لشعورك بأنه لا يُحبك، وأنه يشتم أبناءه بألفاظ سيئة، كل هذه الأمور جعلت حياتك غير مستقرة وغير طبيعية، وتريدين حلاً لهذه المشكلات كلها.

وأنا أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: ليست القضية شعورك بأنك غير مرغوب فيك، وإنما القضية إنما هي قناعتك بما أكرمك الله تبارك وتعالى وأعطاك من إمكانات وقدرات وطاقات، فما دمت حريصة على أن لا تلحقي ضرراً بأحد، وأن لا تسيئي إلى أحد، فمسألة الرغبة لا تمثل كثيراً من الأهمية ما دمت تتعاملين مع الناس بما يُرضي الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الذي ينبغي أن تركزي عليه؛ لأن الناس عادة يكرهون الشخص المؤذي أو الشخص المزعج أو الشخص المنفر، أو الشخص الذي يتدخل فيما يعنيه وما لا يعنيه، أو الشخص المتكبر المغرور، أو صاحب الصفات البذيئة، أما الإنسان الذي يتمتع بالصفات الحسنة فلا يُلقي بالاً للناس بعد ذلك؛ لأن أهم شيء أن يكون الإنسان يعيش حياته وفق شرع الله تبارك وتعالى؛ لأن رضى الناس غاية لا تُدرك.

ومسألة أنك تشعرين بأنك شخص غير مرغوب فيه دائماً، هذه أيضاً مسألة نسبية؛ لأنه من المستحيل أن يُجمع الناس جميعاً على كراهية إنسان، كما أنه من المستحيل أن يُجمعوا على محبتك، خاصة بعد الأنبياء والمرسلين، بل إن النبي صلوات ربي وسلامه عليه وهو الرحمة المهداة كان هناك من الناس من لا يُحبه، بل هناك أغرب من ذلك، وهو صاحب العظمة والجلال نجد أن هناك من الناس من يصفه بصفات غير طيبة وغير لائقة، ومن يتهمه باتهامات لا يتصورها العقل، ورغم ذلك نجد أن الله تبارك وتعالى الكريم جل جلاله يُحسن إليهم ويتفضل عليهم، ولم يقطع عنهم أرزاقهم، ولم ينتقم منهم انتقاماً مروعاً كما يحدث لبعض البشر لبعضهم البعض، ولكن الله تبارك وتعالى هو الرحمن الرحيم، فادّعوا أن الله تبارك وتعالى ثالث ثلاثة، وزعموا أن لله صاحبة وأن له ولداً، ومنهم من أنكر وجود الله تبارك وتعالى بالكلية، ومنهم من قال يد الله مغلولة – عيإذن بالله – ومنهم من قال إن الله فقير ونحن أغنياء، إلى غير ذلك من هذه الاتهامات الخطيرة التي وقع فيها الناس عبر تاريخهم الطويل وإلى يومك هذا.

فإذن: إجماع الناس على شيء من الصعوبة بمكان، فكونك تشعرين أو تحسين بأنك شخص غير مرغوب فيه، أقول: هذه مسألة نسبية، قد تكون هذه المسائل نعم من المقربين منك الذين يتأذون مثلاً ببعض التصرفات التي تصدر عنك مثل افتعال المشاكل مع زوجك، وكذلك العصبية الزائدة، فهم ينفرون من هذه الأشياء، أما الأشخاص الذين لا يعرفونك ولم تتعاملي معهم لا من قريب ولا من بعيد، كيف يكرهونك وهم لم يتعاملوا معك؟

هذا التصور إنما هو من عمل الشيطان؛ لأن الشيطان يريد أن يسبب لك عزلة اجتماعية عن الذي تعيشين فيه، ويريد أن ينفرد بك وحدك حتى يزيدك سوءاً على سوء، ويزيدك عصبية على عصبية، ولكن ثقي وتأكدي أنه من الاستحالة أن إنسان يكرهك وهو لم يتعامل معك ولم تسيئي إليه.

نعم قد يكون هناك عدم توافق، ولكن لا يلزم أن يكون هناك كراهية، ولا يلزم أن يكون هناك عدم رغبة في الشخص، وكما ذكرتُ لك أننا لا ينبغي لنا أن نركز على هذه النقطة كأنها أم القضايا، ولكن أهم شيء عندنا ما هي نوعية العلاقة التي بيننا وبين الله تعالى؟ هل علاقتنا مع الله تبارك وتعالى على ما ينبغي أم لا؟ هذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية: هل نحن نتعامل مع عباد الله كما أراد الله؟ أم أننا نتعامل معهم بغير ما أراد الله؟ فإذا كنا نتعامل بشرع الله فلا يضيرك أن الناس يكرهونك أو يحبونك؛ لأنه كما ذكرتُ أهم شيء رضى الله، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس)، فما دمت حريصة على مرضاة الله من المحافظة على الصلاة في أوقاتها، والمحافظة على الحجاب الشرعي، والمحافظة على الكلام الطيب اللين الهادئ، والمحافظة على الأمانة والصدق، والتعامل مع الناس بأخلاق الإسلام.

هذه أشياء رائعة تجعل الإنسان محبوباً من كل من يتعامل معه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن من أعظم النعم التي أكرم الله بها العبد أن يمنَّ عليه بخلق حسن؛ لأن الخلق الحسن هو أعظم وسيلة مواصلات تحمل حبك إلى قلوب الناس، فلا تُلقي بالاً لهذه المسألة ما دمت تتعاملين مع الناس بما يُرضي الله تعالى.

مسألة العصبية الزائدة ومسألة الخلافات بين زوجك، هذه مسألة كلها من عمل الشيطان، وأنا أنصح أنه كلما حدث خلاف بينك وبين زوجك أن تتركي الغرفة أو المكان الذي به زوجك وأن تنصرفي بعيدة عنه، حتى لا تظل الحرب مستعرة والمعركة قائمة؛ لأن الشيطان – لعنه الله – من أهم أهدافه أن يفرق ما بين المرأة وزوجها وما بين الأب وأبنائه، والإخوة وبعضهم بعضاً؛ ولذلك أنا أنصح كلما شعرت بأنه سيحدث هناك نوع من العصبية أو النرفزة أو خلاف أو رفع صوت أو السب أن تنسحبي بهدوء من المكان الذي يوجد فيه زوجك حتى تطفئي نار الفتنة، وأنت بذلك تعتبرين قوية وشديدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).

أتمنى أيضاً لو استطعت أن تسجلي لنفسك بعض العبارات والكلمات التي تصدر منك خلال اليوم، دعي المسجل في البيت وضعيه يعمل على شريط فارغ حتى في الوضع الطبيعي الذي يكون فيه أولادك معك وغير ذلك، قطعاً لعلك ستجدين أشياء تستحين منها عندما تسمعينها من نفسك بنفسك، وأتمنى أنه كلما حدث هناك خلاف أو شعرت ببوادر الخلاف أن تنصرفي من المكان الذي أنت فيه.

ثانياً: تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم.

ثالثاً: أن تغيري الحال الذي أنت عليه، فإذا كنت واقفة فاجلسي، وإذا كنت جالسة فمن الممكن أن تستلقي على جنبك أو على ظهرك مثلاً، من الممكن كما ذكرت أن تغادري المكان الذي يوجد به الأسباب التي تؤدي إلى عصبيتك، حاولي دائماً أن لا تتعجلي في النطق بالكلام، وإنما خذي وقتاً قبل النطق بالكلام؛ لأنك عندما تتكلمين بسرعة فإنك سوف تخرج منك عبارات مُدمية لغيرك وأنت لا تشعرين، ولكن قبل أن تتكلمي توقفي، وانظري في نوع الكلام ولو قليلاً، وأنا واثق أنك لو تركت العجلة في الكلام والسرعة سوف تتحسنين إلى حد بعيد.

وعليك بالدعاء بارك الله فيك أن يصرف عنك تلك الصفات غير الحميدة، وأن يُصلح ما بينك وبين زوجك.

أتمنى عمل رقية شرعية، لاحتمال أن يكون هناك شيء من الحسد لإفساد حياتك مع زوجك، فما المانع أن تقومي بعمل رقية شرعية، سواء تقومين أنت بنفسك برقية نفسك برقية شرعية أو زوجك أو أحد المقربين منك، أو أن تستعينوا ببعض المشايخ المعالجين الثقات الذين يعالجون بالضوابط الشرعية ولا يتجاوزن شرع الله تعالى، لاحتمال أن يكون هناك حسد قديم أدى إلى هذه النرفزة أو توترك العصبي، وأدى إلى وقوعك إلى تلك الأخطاء.

أتمنى بارك الله فيك أن تلحي على الله تبارك وتعالى بالدعاء، وأن تكثري من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، ومن الاستغفار، وكما ذكرت: أهم شيء أن لا تتكلمي بسرعة، وإنما احرصي على أن تتكلمي بهدوء جدّاً مرة بعد مرة حتى تتأكدي من أن الكلام الذي خرج منك ليس كلاماً مؤلماً أو جارحاً، وادعي لأولادك بالصلاح.

هذا وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً