الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شاب واقع في فراغ وغياب عن الوالدين ويخاف على نفسه من المعاصي

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

أنا شاب عمري (25) سنة، عاطل عن العمل، لدي مشاكل مع أبي وأمي، لا أستطيع التفاهم معهم، أبي لديه امرأة أخرى، ولديها أطفال، ولكن ليس متزوجاً بها، هو لا يبالي بأي اهتمام بي حتى صرت الآن لا أكلمه مدة (4) أشهر، وحتى إن ابتعدت عنه أصبحت أحس بقليل من الراحة؛ لأنه لا يعرف التفاهم سوى السب والشتم، ولا منفعة من الحديث معه.

أردت الزواج ولم أستطع ولم أجد مساعدة، والوالدان في غياب تام عني، لا أستطيع الصبر، حتى عندما أخرج وأرى فتاة تراودني نفسي.

ماذا أفعل؟ لا أحب المعاصي، ولكن حسبي الله ونعم الوكيل، كيف أدعو الله يجنبني الفتن، ويرزقني الحلال؟ نفسي تهلكني، غير أني لم أجد سوى نور الله أستنجد به، والله إن لم يغفر لي لأكونن من الخاسرين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohammed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يجعل لك من لدنه وليّاً ونصيراً، وأن ييسر لك عملاً صالحاً طيباً مباركاً، وأن يمنَّ عليك بإصلاح ما بينك وبين والدك، وأن يرزقك بره، وأن يعينك على إرضائه وإكرامه، وأن يكرمك بزوجة صالحة طيبة تكون عوناً لك على طاعة الله سبحانه، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.

وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل –أقول لك أخي الكريم الفاضل: إنه ومما لا شك فيه أن سنك الآن أصبح سناً حرجة، فأنت رجل منذ عشر سنوات على الأقل، والرجل عندما يجد نفسه في هذا العمر بلا عمل فإنه قطعاً سوف يتأثر تأثراً شديداً، وسيشعر بأنه عالة على غيره، ولا دور له ولا مكان له في الحياة، وأنه محروم من أبسط حقوقه التي يتمتع بها غيره من الناس الذين تختلف ظروفهم عن ظروفه، ولكنك كما لا يخفى عليك الآن أن مثل هذه السن أصبحت شيئاً طبيعياً لدى الكثير من الشباب، في العالم العربي على وجه الخصوص، وذلك نظراً لندرة فرص العمل ولكثرة الشباب وخريجي الجامعات الذين لا يجدون متنفساً لحياتهم مما ترتب عليه أنهم أُصيبوا بنوع من التوتر والإحباط، وبعضهم قد انحرف عن جادة الطريق، وانغمس في المنكرات والمخدرات وغير ذلك من باب الهروب من الواقع المؤلم.

أنا أقول: إن عدم وجود فرصة عمل أمامك لعلها هي السبب في توترك الذي يؤدي إلى عدم استقرار العلاقة ما بين والديك؛ لأنه مما لا شك فيه أن الأب والأم هما أحن الناس على أبنائهم، وهما أرحم الناس بأبنائهم، ولكن وجود مشاكل مع الوالد والوالدة دليل على أن هناك شيئاً غير طبيعي بينك وبينهم، خاصة أن المشاكل معهما معاً، لو كانت المشاكل مع الوالد لقلت ممكن على اعتبار أنه متزوج بأخرى، أو أن لديه أطفالاً من امرأة أخرى، فهو مشغول بغيرك، ولكن المشاكل أيضاً مع الوالدة.

يبدو أن ظروفك المادية أثرت على أخلاقك فأصبحت تتصرف تصرفات أدت إلى حدوث مشاكل بينك وبين والديك، ولذلك فإني أنصحك بداية بالتوجه إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء والإلحاح عليه سبحانه وتعالى أن ييسر لك فرصة عمل مناسبة تستطيع من خلالها أن تكفي نفسك ولو على الأقل الأشياء الضرورية.

تسألني: كيف تدعو الله أن يرزقك الحلال؟
أقول: إن هناك أحاديث بيّنها لنا النبي عليه الصلاة والسلام، حيث وجد رجلاً من أصحابه جالساً في المسجد فلما سأله أخبره أنه قد غلبته الديون والهموم، فعلمه النبي عليه الصلاة والسلام هذا الدعاء: (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عن من سواك).


أنا أنصحك أن تُكثر من هذا الدعاء أولاً، وأنصحك كذلك أن تكثر من الاستغفار لأن الاستغفار من أعظم مفاتيح الأرزاق، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ))[نوح:10-12]،وأنصحك بالإكثار من الصلاة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي قال له: (أأجعل لك صلاتي كلها؟ فقال له صلوات ربي وسلامه عليه: إذن تُكفى همَّك ويغفر لك ذنبك) فكل ما يهمك يكفيك الله تعالى إياه.

أما بالنسبة لما يتعلق أن يجنبك الله تبارك وتعالى من الفتن، فأنت الآن تعرف نقاط الضعف التي تعاني منها، فأنصحك أن لا تتعرض للأماكن التي توجد فيها الفتيات بكثرة، وهذا ما أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (واتقوا الشبهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) وقال: (فاتقوا الدينا واتقوا فتنة النساء)، وقال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).

نعم قد تقول لي بأني أوجد في بلاد فيها انفلات أخلاقي والفتيات أكثر من الرجال، وهنَّ كاسيات عاريات مميلات، أقول لك: نعم، ولكن الإسلام يأمرك أيضاً أن تحاول أن تتحرى ما ينفعك وما يعود عليك أنت بالخير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز).

إذن ليس معنى وجود الفتيات أن تنظر إلى الذاهبة والراجعة والغادية لأن هذا الأمر سيزيدك فتنة ويزيد شهوتك اشتعالاً، ويزيدك سُخطاً أيضاً على الواقع ومشاكل مع الوالدين كذلك، فأول ما أنصح به أن تتجنب هذه الأماكن، وأن تجتهد في تدريب نفسك على غض بصرك بقوة؛ لأن من غض بصره عما حرم الله ملأ الله قلبه حلاوة وأذاقه الله حلاوة الإيمان في الدنيا والآخرة.

أتمنى أن تقاوم الرغبة في النظر حتى وإن كنت محروماً، لأنك الآن لن تستطيع أن تحل المشكلة بالنظر، فإن النظر لا يُقدم ولا يؤخر، بل على العكس يزيد الطين بلة ويزيد المرض علة، ولا يقدم شيئاً، فغض بصرك بارك الله فيك، واعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله) ومنهم (وشاب نشأ في طاعة الله) وقال صلى الله عليه وسلم: (عجب ربك من شاب ليست له صبوة) فالله تعالى يفرح بالعبد الشاب الذي يقاوم والذي يصبر على طاعة الله وعلى اجتناب ما حرم الله تعالى، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الشباب بقوله: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) وقد قال الله تعالى: (( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ))[النور:30].
حاول أن لا تخرج إلى الطريق العام ما دامت ليست لك حاجة في الخروج فلا تخرج حتى تقي نفسك هذه الويلات وتلك المنكرات.

أنصحك أيضاً أن تجتهد في الصيام، كما ذكرنا لك حديث النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، فأنت لا تستطيع الزواج لأن الزواج يحتاج إلى قدرة مالية وهي غير متوفرة لديك، وقطعاً لن يقبل بك أحد أن تكون زوجاً لابنتهم وأنت عاطل بلا عمل، فليس أمامك إلا أن تبدأ أيضاً في مشروع الصيام ولو أن تصوم يوماً وتفطر يوماً، أو أن تصوم يومي الإثنين والخميس، وتجتهد وأنت في حالة الصيام أن تدعو الله تعالى أن يفرج الله كربتك وأن يقضي حاجتك، وقد قال الله تعالى: (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ))[الطلاق:2-3].
فيما يتعلق بعلاقتك مع والدك، أنا أرى أنها من أسباب شقائك أيضاً؛ لأن قطيعتك وهجرك لوالدك من أعظم الكبائر، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) ويقول أيضاً: (لا يدخل الجنة عاق) ويقول صلى الله عليه وسلم: (ملعون من سبَّ والديه) ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: (رضا الله من رضا الوالدين، وسخط الله من سخطهما).

إذن اجتهد في أن تقيم العلاقة مع والدك ولو في أضيق الحدود، وعند الاحتكاك الطويل به تحدث هذه المشاكل، وقد يسبك أو يفعل معك ما يؤذيك فحاول أن تجعل الاحتكاك خفيفاً في المرحلة الأولى، يعني مجرد السلام (السلام عليكم) وتتركه ولا تجلس معه طويلاً، ولا تفتح معه حوارات تؤدي إلى أن ينفعل عليك وأن يسبك أو يهينك مثلاً.

حاول أن تجعل الأمور ولو على الأقل الحد الأدنى من التواصل وهو الزيارات الخفيفة العامة مع السلام فقط، وإذا طلب منك الجلوس فحاول أن تهدأ من ثورتك، وأن تعلم أن والدك مقامه عظيم، وأن الله تبارك وتعالى لأهمية مقام الوالدين بين لنا كيف نتعامل معهما، ولعل غضب والديك عليك من أسباب الشقاء الذي تعاني منه.

أنا أريدك أن تبدأ مشروع الإصلاح مع الوالد والوالدة، حاول أن تقبّل رأس والدتك وأن تعتذر لها وأن تقبل يديها وأن تطلب منها أن تعفو عنك، وأن تسامحك، وأن تدعو لك؛ لأن دعاء الأم لا يُرد، دعاء الأم خاصة، رغم أن دعاء الوالدين مستجاب إلا أن دعاء الأم أقرب وأعظم، ولذلك أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، وأوصى بالأب مرة واحدة، ومن هنا كان دعاء الوالدة أعظم وأقرب للإجابة.

اجتهد بارك الله فيك في هذه الأمور التي أشرت إليها، وأوصيك بالبحث عن صحبة صالحة تكون عوناً لك على طاعة الله ورضاه، صحبة صالحة فيها التسلية وفيها الأمن والأمان، وفيها التذكير بالله سبحانه وتعالى، وفيها البُعد عن المعاصي، تبحث عن صحبة صالحة لأن الصاحب ساحب، والنبي عليه صلوات ربي وسلامه يقول: (المرء على دين خليله) ويقول: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي).

فاجتهد بارك الله فيك في ذلك، وحاول أن تحافظ على الصلاة في المسجد جماعة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (والصلاة نور) وإذا ما صليت وحافظت على الصلاة أنار الله بصرك وبصيرتك ووسع رزقك.


حاول أن تقرأ بعض كتب أهل العلم في أوقات الفراغ – وما أكثرها بالنسبة لك، خاصة وأنك بلا عمل - أو أن تستمع لبعض الأشرطة الطيبة، وحاول أن تجد عملاً يدر عليك دخلاً يغنيك به الله تعالى عن من سواه.

حاول أن تحضر بعض المحاضرات والدروس والفعاليات الإسلامية؛ لأن هذا كله من عوامل قوة القلب، وإذا قوي قلبك قوي بدنك وقويت ذاكرتك وقوي فيك كل شيء، وقويت علاقتك بالله تعالى، وأنت تعلم أن الأرزاق في خزائن الله، وأن الله يحب الصابرين، وأن الإنسان يحرم الرزق بالذنب يصيبه، وأن الأرزاق تجلب بطاعة الله، ولذلك قال جل جلاله: (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ))[الأعراف:96].

عليك بالإيمان والتقوى، وأبشر بفرج من الله قريب، وأسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يوفقك لكل خير، وأن يصرف عنك كل سوء، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً