الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهلي يعاملونني بسوء بالرغم من معاملتي الحسنة لهم!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أهلي يعاملونني بسوء بالرغم من معاملتي الحسنة لهم.

ألبي لأمي كل طلباتها على حساب مستقبلي ووقتي، ثم تسب وتلعن في النهاية، وتقول: أنتم لا تفعلون لي شيئاً! وتفعل ذلك مع أختي المتوسطة، أما مع أختي الصغيرة فإذا أخطأت لا تعلمها ولا تربيها، وتسبنا أمامها وتقلل من كرامتنا.

كذلك فإن أختي الصغيرة لا تحترمني ولا تحترم أختي المتوسطة أيضاً، وأبي لا يتدخل في شؤون التربية إلا بالضرب والعنف.

حينما يجلس والدي بالبيت يتصيد الأخطاء لي بالذات، ويترك أخواتي حتى وإن أخطأن يقف بجانبهن، وليس بجانب الحق وما يرضي الله، وشخصيته ضعيفة جداً أمام أمي، ولا يلقي بالاً لمسئولياته كأب.

أختي الصغيرة متكبرة على الكل، ولا تحب إلا نفسها، أختي المتوسطة لا تعترف أبداً بالخطأ وتعاند وتنفذ ما برأسها، وصوتها يعلو على أمي وأبي في المشكلات.

أمي دائماً تتذمر من عمل المنزل وتلقيه علينا، والكل لا يحب المساعدة ويتهرب من مسئولياته إما بالنوم أو بالرد السخيف أو بعلو الصوت على الآخرين.

أتحدث معهم بمنتهى الأدب ودائماً ما أجد الاستهزاء وأسلوب الكلام المحقر لي، لا أعلم لماذا وكيف أتعامل معهم؟! والأكبر أن كلاً منهم يرى نفسه على صواب وأنه أفضل شخص!

الحقيقة أن حياتي معهم سيئة جداً، ولا يراعون أنني بكلية صعبة تحتاج إلى التركيز، حتى إنني رسبت وأظن أنني سأرسب للمرة الثانية.

إذا تحدثت معهم أحياناً يستجيبون ثم يعودون لسابق أمرهم، وبالنهاية أصبت باكتئاب والتهاب بالأعصاب وحياتي تعيسة بسببهم.

لا أجد في أمي أو أبي المثال الصالح أو القدوة الحسنة، وأتمنى أن أعيش بعيداً عنهما تماماً لترتاح نفسيتي وأعصابي.

أفكر أن أعاملهما بالسوء ولكن أتذكر أن الله يراني، فما الحل؟

أرجو الإجابة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مروة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هنيئاً لمن تتذكر أن الله يراها، بل إنه سبحانه ليسمع كلامنا ويعلم سرنا ونجوانا ومآلنا، وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ومرحباً بابنتنا الفاضلة، ونسأل الله أن يسهل أمرك وأن يوفقك ويسدد خطاك.

لا يخفى على ابنتي الفاضلة أن بر الوالدين والإحسان إليهما -بل والصبر عليهما- من الأمور التي أوجبتها هذه الشريعة، وإذا تذكرت لذة الثواب فسوف تنسين ما تجدين من الآلام.

إذا رفعت أختك الوسطى صوتها فلا تنفعلي، وإذا تدللت الصغرى فلا تتأثري، وتذكري أنك تتعاملين مع من يجازي بالإحسان إحساناً، وأنت الكبرى فكوني قدوة في كل شيء، واحرصي على كسب قلب والديك وتفادي كل ما يثير غضبهما وخاصة الأم، واجتهدي في تغيير أسلوبك في التعامل مع والديك لأننا ننتظر منك الخير، فأنت -ولله الحمد- جامعية متعلمة عاقلة، ويكفي في ذلك كتابتك للرسالة المنسقة، فادفعي بالتي هي أحسن السيئة، ونظمي وقت دراستك ولا تتأثري كثيراً بما يحصل، واحصري كل مشكلة في إطارها الزماني والمكاني، ولا تتركي الأحزان تتمدد في حياتك فتشوش على صفائها.

اعلمي أن البيوت لا تخلو من الأزمات، ولكن الفرق في قدرة الناس على احتوائها وإعطائها حجمها المناسب، بل الفلاح في تفادي وقوعها بتفادي أسبابها.

إذا وصلتك رسالتي هذه فتعوذي بالله من شيطان يأمرك بالبعد عن أحب الناس إليك، واطردي خواطر تطالبك بسوء معاملتهم، وتذكري بشارة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمن صبر على أهله الذين كانوا يسيئون إليه، حيث قال الرجل: (يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)، فبشره بعون الله، وهذا يشجعك على الصبر على أخواتك، واعلمي أن بر الوالدين مغفرة للذنوب؛ لأن بر الوالدين من الطاعات الكبيرة.

أرجو أن تعلمي أنهم حريصون على نجاحك، والدليل على ذلك تحسنهم وتأثرهم لك، وهم عموماً يحبونك لأنني والد وأعرف ذلك، فقد يشتد الوالد والوالدة على أحد الأبناء رغم أنه الأحسن لأنه يريده أفضل من ذلك بكثير.

نحن بلا شك لا نوافقهم على سوء معاملتك، ولكننا نحب أن يتذكر الشباب والفتيات الدوافع الحقيقية والمشاعر الكامنة تجاههم، وسيظهر لك ذلك في فرحهم بنجاحك ومن خوفهم عليك ودفاعهم عنك إذا تعرضت لشيء لا قدر الله.

هذه وصيتي لك بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إليه، وتجنبي خوض المعارك الجانبية مع أخواتك؛ لأن ذلك مما يزعج الوالدين، واصبري على الجميع، وأحسني للجميع، واعلمي أن الله يحب المحسنين، وسيأتي اليوم الذي تنفرج فيه الأمور، وغداً سوف تكونين في أسرتك الجديدة، وغداً سيفرح الجميع بنجاحاتك في الحياة، ويسعدنا دوام التواصل مع موقعك.

ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً