الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابني ومواقع الإباحة وشخصيته العصبية

السؤال

السلام عليكم.

لدي ولد وحيد عمره الآن 13 سنة، لديه كل ما يريده، نحن عائلة محافظة على الصلاة ومستقيمة، وبالأمس أخذت جهازه اللابتوب ووجدت فيه مقاطع جنسية كثيرة دخل عليها، ووجدته يتابع مسلسل تركي قذر اسمه العشق الممنوع، وهو من مئات الحلقات، أنا حزينة جداً جداً، لست جاهلة ولست غير مثقفة، أعلم خطورة الأمر، وأعلم أن علي المراقبة والمتابعة، لكن ولدي هداه الله عصبي وشخصيته سيئة فهو يرد بطريقة سيئة رغم صغر سنة أصلحه الله، لا أريد أن أخسره، ولا أريد أن يكون ولداً فاسداً.

اعذروني، ولكني أدعو له باستمرار، إما أن يصلحه الله، أو أن يأخذ عمره إن كان قدر الله سبق بفساده؛ فأنا أحزن طوال عمري على موته أرحم عندي من الحزن على فساده.

أنتظر ردكم على المشكلتين: المواقع الإباحية، وشخصيته العسيرة وردوده العصبية والوقحة أحياناً.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أحمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يصلح لك ولدك.

وبخصوص ما ورد برسالتك أختي الكريمة الفاضلة من أن لديك ولداً وحيداً وعمره الآن ثلاثة عشر عاماً ولديه كل ما يريده وأنتم ولله الحمد عائلة محافظة على الصلاة ومستقيمة، ولكنك فوجئت بمقاطع غير طيبة في جهازه الكمبيوتر ووجدته كذلك يتابع أيضاً مسلسلات غير حسنة، وكلما حاولت أن تتكلمي معه فإنه يرد بطريقة سيئة وطريقة عنيفة، رغم صغر سنه وأنت في نفس الوقت أيضاً لا تريدين أن تخسرينه، ولا تريدين أن يكون ولداً فاسداً، وبلغ بك الحال أنك تسألين الله تبارك وتعالى إما أن يصلحه وإما أن يأخذه، وتقولين ما الحل في هذه المشكلة؟

أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: قد علمتُ من رسالتك أنك تتكلمين وحدك، كأن والده غير موجود، لأني أنا أسأل أين دور الوالد إذا كان الولد بهذا الوضع، لأنك وحدك لن تستطيعي أختي الكريمة أن تقومي بهذا الجهد خاصة بعد هذه السلبيات التي أشرت إليها. فهل يا تُرى الوالد موجود أم غير موجود؟ إذا كان موجوداً فهل له دور معك في عملية الإصلاح والتوجيه أم لا؟ لأن الذي يبدو من رسالتك أن ولدك استغل فرصة أنه وحيد وأنه يأمر فيطاع ويبدأ يسلك هذه المسالك السيئة؛ لأنه يرى دلالك له وحرصك الشديد عليه، واعتقد أن هذا هو نفس شعور الوالد، وكذلك أيضاً نفس شعور الأقارب؛ لأن الولد عادة الوحيد هذا ما يلقى قدراً من الاهتمام الزائد والدلال المفسد الذي قد يؤدي به إلى مثل هذه التصرفات الموجودة، وأنا أعتبر أن هذه الأشياء التي ذكرتها هي حقيقة عبارة عن رد فعل طبيعي للدلال الزائد وللدلع الغير منضبط.

نعم أنت من عائلة محافظة على الصلاة ومستقيمة، ولكن لا يلزم من ذلك أن تكوني مربية صحيحة، وقد تكوني صاحبة دين واستقامة ولكن لا تحسنين التربية؛ لأنه يبدو والله أعلم أن هذا القصور أختي الكريمة ليس من الأهل؛ لأن التربية لا تبدأ من الثلاثة عشر أو من عشر سنوات، وإنما التربية كما ذكرت أهل العلم تبدأ والطفل مازال في رحم أمه، فإن الطفل يسمع ما يدور حوله وما تتأثر به أمه سلباً أو إيجاباً، ولذلك العلماء يبينون أن هنالك تربية الآن للطفل في عالم الأرحام. ثم إذا خرج للحياة فإنه يبدأ كذلك في التلقي ثقافاته ومعارفه من المحيط به، وأنتم أقرب الناس إليه، فقطعاً هو تأثر بك وبوالده وبكل الأقارب الذين يتعاملون معك.

فالذي يبدو لي أنكم قد أهملتم مرحلة الطفولة المبكرة، لو أنكم غرست غرساً جيداً وكنتم فعلاً تهتمون به اهتمام مناسب ما أعتقد أن النتيجة قد تكون وصلت لهذا الحال، ولذلك اسمحي لي أنا أقول: أنتم تدفعون ثمن تقصيركم التربوي خلال هذه الفترة، ولعلي أذكر كلاماً لأحد الكتّاب الكبار المفكرين العظام (مالك بن نبي) - رحمه الله تعالى - عندما جاءه رجل وقال: إن ابني قد وصل العام الأول فأريد منهجاً أربيه عليه؟ فقال له: فاتك القطار، يقصد بأن هناك مرحلة مرت عليه دون الاستفادة منها، فمن المتعذر حقيقة تدارك هذا الوقت.

فأنا أقول: إن الدلال الزائد الذي يتلقاه، كونه هو الوحيد فعلاً كما ذكرت.
الأمر الثاني: يبدو والله أعلم أنكم من شدة حرصكم عليه ما كنتم تركزون على تربيته وتوجيهه بالقدر الكافي كغيره، ولذلك ترتب عليه أنه تمادى في مسألة اكتساب القدرات أو اكتساب مساحات من الحرية الزائدة حتى بدا ذلك إلى أن يتعامل بطريقة لا تنم على أنه نشأ في بيت صالح.

فإذن أختي الكريمة حقيقة هذا خطأكم، وحقيقة ليس من السهل أن يتم تداركه، إلا إذا تمت تضافر الأسرة معاً، فلابد أن تقفي أنت ووالده موقفاً حاسماً حازماً، ولابد حقيقة من إعادة تأهيله مرة أخرى.

فأنا أقول بارك الله فيك: لابد مثلاً على سبيل المثال بمنعه من هذا الجهاز وأن لا يستعمله، بحزم وشدة، وإذا كان عنده كمبيوتر فلابد أن يكون في مكان واضح في البيت، وثانياً على ذلك أيضاً البحث عن أصدقائه الذين يمشي معهم؛ لأن هؤلاء الأصدقاء قطعاً لابد أنهم لعبوا دوراً في إفساده؛ لأنه كما قالت العرب: (الصاحب ساحب) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).

فيما يتعلق بهذه العصبية الموجودة وطريقة تعامله، هذه تحتاج لنوع من الحزم، وهذا يحتاج إلى مصاحبة طويلة لوالده؛ لأنه يبدو أن والده ما رفع يده نهائياً عن توجيهه، ولذلك هو يتصرف بطريقة كما لو كان شخصاً كبيراً متمكناً، رغم صغر سنه، ويا ليته شخصاً متمكناً بالأخلاق وإنما بطريقة سيئة مزعجة خاصة مع أقرب الناس إليه.

فأنا أقول: يحتاج إلى صحبة صالحة تخرج معه وتتكلم معه، وأتمنى أن يقوم الوالد بدور مهم في مسألة اصطحابه للمجالس وإلى الطلعات وكذلك إلى المسجد أيضاً بانتظام؛ لأنه عندما يكون تحت السيطرة بهذه الكيفية ستقل نسبة وقوعه في الفتن، وستقل نسبة وقوعه في الأمور الفاضحة وبالتالي سوف يستقيم بإذن الله تعالى.

أنصحك بضرورة الدعاء له بالهداية، واتركي عنك مسألة الفساد وغيره؛ لأن هذه بيد الله سبحانه وتعالى، ولكن نحن أمرنا حقيقة بأن ندعو لأبنائنا ولا ندعو عليهم، ولقد نهانا النبي عليه الصلاة والسلام عن الدعاء على الأولاد، فقال: (لا تدعو على أنفسكم ولا تدعو على أولادكم) فالذي تفعلينه من أنك تدعين الله أن يأخذ عمره هذا غير صحيح. أكثري له بالدعاء وألحي على الله تبارك وتعالى بأن يصلحه، وحاولي بارك الله فيك أن يصطحبه الوالد في كل مكان يخرج إليه، ولا مانع أيضاً إذا كان لديكم بعض الأقارب مثلاً أبناء أختك أو أبناء أخيك من الصالحين أن يصطحبوه معهم بصفة منتظمة، حتى يتم تهذيب أخلاقه وسلوكه وتنقية ألفاظه من تلك العبارات البذيئة بإذن الله تعالى.

أتمنى أيضاً أن يشارك في المعسكرات التي تقام في المملكة، المعسكرات الإيمانية؛ لأنه بذلك سوف يعرف فضل الله تبارك وتعالى عليه ويكتسب مهارات التعامل مع المجتمع بطريقة حسنة وفاضلة.

إذن لا بد من دور من الوالد، وأتمنى أيضاً أن تشارك هذه المؤسسات في ذلك، وعليك بالدعاء له والاجتهاد في ذلك، وإياك من الدعاء عليه، لأنك لو دعوت عليه ما زاد إلا فساداً وجنوحاً وإعراضاً، وبذلك ستدفعين ثمناً أكبر مما أنت عليه الآن.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً