الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي عاطل عن العمل ومدمن خمر وأثر ذلك علينا، ما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أبلغ من العمر (19) سنة، تلميذة بالمعهد الثانوي، أعاني من الكثير من المشاكل العائلية، أبي عاطل عن العمل، لا يقوم بواجباته العائلية، ولا الدينية.

يلعب دور المحطم، والمدمر للعائلة، مدمن خمر وماله حرام.

أمي لا تعمل، ومضطهدة من أبي وعائلتها.

أخي الكبير عمره (22) سنة، عاطل عن العمل والدراسة، مدمن على التدخين، وشرب الخمر، والمخدرات لأسباب نفسية، فهو يرى نفسه إنسانا فاشلا على الدوام، ومكروه ومنبوذ.
دائما يسترجع الماضي الأليم الذي كان أبي هو السبب فيه، مما لا يشجعه على التقدم نحو الأفضل، بل على المزيد من اليأس.

في الفترة الأخيرة أصبح يفكر في الهجرة الغير الشرعية، وطلب من والدتي إعطاءه (2000) دينار، أو يحرق المنزل، ويقتل نفسه.

بعد ذلك أعاد طلب مبلغ ثاني ليتاجر في المخدرات، حتى يستطيع الهجرة وهذه التجارة هي التي كان يراها ميسرة أمامه، لأنه كلما حاول إجادة عمل حلال فإما أن يرفض أو يتم استغلاله.

أخي الصغير عمره (12) سنة، لا يحب الدراسة ويستغل ظروف العائلة المضطربة، كي لا يقوم بواجباته الدراسية، ولا يطيع أمي ولا ينتبه إلا للعادات السيئة، لكنه عندما يحظى بالقليل من العناية من بعض أفراد عائلة أمي يستقيم بعض الشيء، ويصبح منظما ويهتم بالدراسة.

أما أنا فغير محجبة، وصلتي بربي ضعيفة، وأشعر بالتعاسة الدائمة والكآبة ولست راضية على العيش بهذه الطريقة التي لا تقوم إلا على الجهل والكفر.

شاركت هذه السنة في دورة لتصميم المجوهرات، ونجحت بتفوق مما يؤهلني للدراسة بالإمارات أو مصر، عن طريق الدولة، وأتمنى دائما أن أحظى بهذه الفرصة للهروب من واقعي المرير طمعا في تحسين ظروفي وظروف عائلتي علما أني سأسافر بدون محرم، لدي صديقة دائما تنصحني بالحجاب وأن أقوي صلتي بربي وتقول لي بأن أدعو الله أن يرزقني الزوج الصالح لكي أعرف السعادة الحقيقية، لكني لا أريد الزواج لأني أنظر إلى الرجال نظرة سلبية، وأرفض وجودهم في حياتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميمه حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

مرحبًا بك أختنا الكريمة في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يفرج عنك ما أنت فيه وأن يصلح أسرتك.

لا شك أيتها الكريمة أن ما تعانيه أسرتك من الحيرة والاضطراب وشتات الأمر، كل ذلك ثمرة من ثمار ابتعادهم، عن هدي الله تعالى والاشتغال بطاعته، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى}.

حياة القلق والاضطراب ثمرة من ثمار ابتعاد الإنسان عن طريق الله تعالى، ونحن نرى أيتها الكريمة بأن شعورك بالحزن لهذا الوضع وشعورك بالحاجة إلى تغييره، والهروب منه مبدأ الخلاص بالنسبة لك -إن شاء الله تعالى-

ينبغي أن تحسني الظن بربك أيتها الكريمة، وتأملي منه خيرًا، وتعلمي بأن هذه الظروف المحيطة بك لن تكون أبدًا مانعة من أن تعيشي حياة سعيدة ملؤها السكينة والطمأنينة.

إذا أنت حسّنت علاقتك بالله تعالى واشتغلت بطاعته، فإن الله عز وجل - ووعده لا يخلف - بأن (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة)، فالحياة الطيبة أيتها الكريمة ثمرة من ثمار الاشتغال بطاعة الله تعالى، ولو كنت في وسط بيئة مملوءة بالفسوق وأنواع المعاصي.

قد ضرب الله عز وجل لنا مثلاً في القرآن، ويبقى مثلاً حيًّا لكل امرأة، فقال سبحانه وتعالى: {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} فهذه امرأة عاشت حياة سعيدة وتعرفت على الله سبحانه وتعالى، وانتقلت إلى جنة عرضها السموات والأرض بعد تلك الحياة، وهي في قصر فرعون المملوء بالظلمة، وعلى رأسهم فرعون يحيطون بها من كل جانب، ومع هذا لم يكن ذلك ليصدها عن التعرف إلى ربها والاشتغال بما يُرضيه عنها، وأفلحت ونجحت حتى صارت قدوة وأسوة لكل من يأتي بعدها من النساء، ولذلك ضربها الله عز وجل مثلاً.

لا تسمحي لليأس بأن يسيطر عليك، أو أن يتسلل إلى قلبك، واعلمي بأن المستقبل يفتح أمامك أبوابه بإذن الله تعالى، ولكن ينبغي أن تجتهدي بالأخذ بالأسباب التي توصلك إلى تلك النتائج، وأهم هذه الأسباب وأولها أن تبدئي بالتوبة إلى الله تعالى من سالف ذنوبك، وتلتزمي ما فرضه الله عز وجل عليك من فرائض، فتؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها، وتلتزمي بالحجاب الذي فرضه الله عز وجل على المرأة المسلمة.

خير ما يعينك على هذا الدرب وسلوك هذا الطريق أن تبحثي عن الصديقات الصالحات، ومنهنَّ هذه الصديقة التي نصحتك بهذه النصيحة الجليلة العظيمة أن تلتزمي بفرائض الله تعالى وأن تتوجهي إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء أن يرزقك الزوج الصالح، وهذه وصية حقها أن تعقدي عليها العزم، وتبدئي بما تقدرين عليه من العمل بها، وأمثال هذه الصديقة هنَّ خير من يعينك على الوصول إلى ما تطمحين إليه بإذن الله سبحانه وتعالى.

نحن نوصيك أيتها الأخت الكريمة بأن تأخذي هذه الوصية مأخذ الجد، فإنها طريق الخلاص بإذن الله تعالى، وقد وصّى النبي صلى الله عليه وسلم أحب الناس إليه ولد عمه، فقال: (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك) فإذا حفظت الله عز وجل ييسر لك الأمور في مستقبل حياتك، ويفتح أمامك أبواب الخيرات، وكوني على يقين أن بعد العسر يسرًا، وأن الله عز وجل يغير الأمر من حال إلى حال ما بين غمضة عين وانتباهها، فلا تيأسي وكوني على ثقة بأنك بقربك من الله تعالى واشتغالك بمرضاته وطاعته تفتحين أمام نفسك أبواب السعادة على مصارعها.

نحن نوصيك أيتها البنت الكريمة بأن لا تسافري بغير محرم، وأن تبحثي عن عمل يتناسب مع المرأة في بلدك بقدر الاستطاعة، وكوني على ثقة ويقين بأنك إذا اتقيت الله سبحانه وتعالى فإنه سيجعل لك مخرجًا كما وعد، ووعده لا يتخلف، فقد قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب} فتوكلي على الله حق توكله، وأحسني الظن به سبحانه وتعالى، فهو يقول في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي).

الجئي إليه بصدق واضطرار، وتوجهي إليه بالدعاء لاسيما في أوقات الإجابة، فكل ذلك من أسباب جلب الرزق وفتح أبواب الخيرات.

حاولي مع هذا السعي في إصلاح أسرتك قدر الاستطاعة، ولا تيأسي أبدًا بأن يجعل الله عز وجل صلاحهم على يديك، فإن الله عز وجل يقلب قلوب العباد كيف يشاء.

كم هدى الله عز وجل من الضالين والفاسقين، وقد حوّل الله عز وجل بعض الكفار الذين كانوا يعبدون الأصنام والأوثان، حولهم بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أولياء الله، فكانوا من خيرة هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تيأسي أبدًا من إصلاح أسرتك، وحاولي تذكيرهم بالله، وحاولي إسماعهم المواعظ التي تذكرهم بالدار الآخرة والموت وما وراء الموت، وتلطفي بأبيك بقدر الاستطاعة وأحسني إليه، فإن الإحسان إليه واجب على كل حال مهما كان فاسقًا أو عاصيًا، وتجنبي بالحكم على الناس بالكفر مهما بلغت المعاصي، فإن الإنسان وإن عصى الله تعالى بمعصية ليست من المكفرات، فاجتهدي في دعوتهم إلى الله.
والله الموفق

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً