الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصابتني حالة هلع بأني سوف أقوم بإيذاء من حولي..فما علاجها؟

السؤال

الأخ الدكتور الفاضل/ محمد المحترم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البداية أتمنى أن تكون في أتم صحة وعافية، وأشكرك على مساعدتك الطيبة في هذا الموقع الرائع.

أريد أن أشرح لك مشكلتي بالشكل الدقيق..

منذ نحو ستة أشهر أصابتني حالة هلع بأني سوف أقوم بإيذاء من حولي، وأحس أني سوف أشتمهم وأبصق عليهم، ولكني لا أفعل ذلك، بل كل ما تأتي هذه الأوهام أفعل عكسها تماما، فأقوم بمصافحة الناس بحرارة والاطمئنان عليهم، فأتخذ مبدأ المخالفة مع هذه الأوهام.

مع أني والله محب لكل الناس، ولكنها تسبب لي بعض الضيق والخوف، فكما أخبرتكم سابقا قمت بمراجعة الطبيب فوصف لي فافرين 300 وتفرانيل 50 و2 مغ ريسبيردال، وأخبرني أني لن أقوم بهذه الأفعال، فأريد منك أن تصف لي حالتي، وهل هذا هو الدواء المناسب لي؟

أنا أثق تماماً برأيكم، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حمزة محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك أخي الكريم على كلامتك الطيبة، وأطمئنك أنني الحمد لله بخير وعافية، وأتقلب في نعم الله بفضله ومنه، ونسأله تعالى أن يديم علينا وعليكم نعمة الصحة والعافية، ونسأله تعالى العفو والمعافاة والعافية في الدين والدنيا والآخرة لكم ولنا ولجميع المسلمين.

قد وصفت حالة الهلع بشكل دقيق وممتاز جدًّا، وهذا إن شاء الله يوصلنا إلى أن نعطيك التفسير الصحيح.

حالة الهلع هذه وما تحمله من سمات وتصرفات وأفكار هي حالة خوف وذات طابع وسواسي، والمعتقد الذي يعتريك ويسيطر عليك وهو أنك سوف تقوم بإيذاء من حولك هو فكر وسواسي اجتراري يستحوذ عليك ويسيطر عليك، وهذا ليس بالغريب؛ لأن الوسواس أصلاً فيه جزئية قلقية كبيرة جدًّا، وحتى في التشخيصات العالمية مثل التشخيص العالمي العاشر للأمراض النفسية والتشخيص الأمريكي الرابع المعدّل للأمراض النفسية يجعل الوساوس القهرية تحت أمراض القلق من الناحية التشخيصية، ولكن في التشخيص الأمريكي القادم والذي سوف يظهر العام القادم غالبًا ما يُعطى الوسواس حيزًا لوحده؛ لأن القلق مرتبطً به ولكننا لا نستطيع أن نقول أن كل حالات الوساوس فيها الجانب القلقي.

إذن هذا الذي تعاني منه هي مخاوف وسواسية، وحالة الهلع التي تأتيك هي ناتجة من فظاعة هذه الأفكار، وهي أفكار مخيفة في حد ذاتها، أفكار تتصادم مع قيمك، لذا يحدث إفراز شديد في مادة الأدرنيلين، وهي مادة محفزة جدًّا للجسم وللنفس، وحين تفرز بكميات كبيرة تؤدي إلى درجة وحالة عالية من التحفز الانفعالي، وهذا يصحبه تسارع في ضربات القلب وربما قشعريرة وشعور بالخوف وكل متعلقات التحفيز النفسي.

إذن هي حالة وسواسية قهرية، وبفضل من الله تعالى أن الوساوس أيًّا كان نوعها لا يقوم أصحابها باتباعها خاصة الوساوس ذات الطابع العنيف والذي تتسم بدفع الإنسان نحو الشر، وذلك لسبب بسيط، وهو أن الشخصية الوسواسية في الأصل أثبت العلم أنها شخصية رفيعة ذات منظومة قيمية عالية ومكونات الفضيلة لديها مرتفعة جدًّا، لذا نجد الوساوس موجودة وسط كثير من الأخوة المتدينين، وهذا ليس مستغربًا، لأن شفرة الفضيلة لديهم عالية..هذا هو التفسير لحالتك.

أما العلاج فالحمد لله تعالى أنت مستبصر، وهو أنك تقوم بما هو مخالف للفكرة مع ضرورة تحقيرها وتجاهلها، هذا هو المبدأ السلوكي الصحيح، وأنا أطمئنك تمامًا أنك لم تقوم أبدًا بأي تصرف غير اجتماعي حيال من حولك.

العلاج الدوائي أنا أقره تمامًا، والفافرين بهذه الجرعة يعتبر علاجًا مثاليًا، والتفرانيل أيضًا جيد، لكن إذا تم استبداله بالأنفرانيل ربما يكون أفضل، وذلك بعد مشاورة الطبيب الذي وصفه لك. أما إذا أردت أن تتركه كما هو فأعتقد أنه سوف يساعدك كثيرًا على الأقل في الجانب القلقي، والفافرين سوف يقضي على الجانب الوسواسي، أما الرزبريدال فهو دواء مدعم تمامًا لفعالية الفافرين للقضاء على الوساوس من هذا النوع.

أخي الكريم: أنا أقر هذا العلاج تمامًا، وأرجو أن تلتزم به، وخيار استبدال التفرانيل بالأنفرانيل هو خيار متاح ولكنه ليس أساسيًا.

لا بد أن تطبق تمارين الاسترخاء فهي مهمة جدًّا؛ لأن نوبات الهلع والهرع تجعل الإنسان في حالة من اليقظة العالية والتحفزية، وتمارين الاسترخاء تقضي عليها، كما أن ممارسة الرياضة تعتبر مفيدة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وثقتك في شخصي الضعيف.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً