الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابني عنيف وعنيد... فما الطريقة المثلى لترويضه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دكتوري الفاضل:

لنا أخٌ عمره ثمان سنوات، هو الترتيب الخامس من بين إخوانه الذين لم نعهد منهم إلا الصلاح والخير، نحاول أن نعلمه النظام والتهذيب ولم ننجح في ذلك.

1- هو شديد العناد، نتعذب عندما نريد أن يذهب إلى المدرسة أو يذهب إلى مكان ما لمنفعة أهله، وهو يتسلى بفعل ذلك ويضحك، وأحيانا كثيرة نناديه ويتجاهلنا حتى أنني أحيانا ألجأ إلى الضرب، ونناديه باسمه وينزل رأسه للأرض ويتظاهر بالنوم وهو يبتسم، وإذا ذهب إلى المدرسة مع زملائه لم يصل معهم إلى المدرسة على الإطلاق كثيرا من الأيام، وإذا أجبر على ذلك يصنع كثيرا من المشاكل بين زملائه في طريقهم إلى المدرسة، كون المدرسة في منطقة نائية لا تصلها السيارات إلا نادراً؛ ولذلك يضطر الطلاب أن يمشوا على الأقدام، ومع ذلك فهو يمنع من الوصول إلى المدرسة في بعض الأحيان إلا بعد أن ينتهي الطابور المدرسي أو الحصة الأولى من التدريس!

2- أيضا هو عنيف، فلا يفرق بين اللعب والضرب، حتى أنه يضرب إخوانه الذين أصغر منه، فمهما حاولنا إقناعه بعدم تكرار هذا الغلط هو يحاول إقناعنا بأساليب وأعذار كاذبة، فكذبه أكثر من صدقه سبعة أضعاف، وهو دائما يضرب الأطفال الآخرين ويستولي على ألعابهم.

3- يحب دائما التهرب من البيت، حيث يقضي أكثر من أسبوع خارج البيت قاعدا عند أحد أقاربه بعيدا عن البيت؛ مما أدى ذلك إلى تعاطيه للسجائر وعمل أشياء لا يمكن أن يعملها من في سنّة.

4- أيضا لا يعرف البكاء كثيرا مقابل ما يقوم به والديه بضربه حتى أنهم أحيانا يتركوه لعدم معرفتهم هل أثر فيه الضرب أم لم يؤثر.

5- المشكلة الأخيرة أن والده يضربه بشدة، وهو شديد عليه ولم يفلح في إقناعه بالتأثير السلبي لهذا الأسلوب، فما هي الطريقة المثلى لترويض طفلي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ريان المحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فمن الواضح أن هذا الابن يعاني ما نسميه باضطراب السلوك أو بتعبير أدق وأصح (اضطراب المسلك) واضطراب المسلك يجب أن ننظر إليه من ثلاث محاور:

1) هل المشكلة في الشخص نفسه؟
2) أم المشكلة في البيت؟
3) أو في المدرسة والمجتمع بصفة عامة؟

في بعض الحالات يكون السبب ناتجا لخلل في أحد المحاور الثلاثة التي ذكرناها، وفي حالات أخرى تكون الأسباب ناتجة من تفاعلات مشتركة ما بين العوامل الثلاثة، أي المشكلة في شخصية الطفل نفسه، ومشكلة في البيت، ومشكلة في المدرسة والمجتمع، تتفاعل مع بعضها البعض وتتضافر كأسباب تؤدي إلى اضطراب المسلك.

هذا الطفل حقيقة أزعجني كثيرًا أنه بدأ يتعاطى السجائر في هذا العمر، والتدخين في الأطفال هو بوّابة كبيرة جدًّا للدخول في عالم الانحرافات الأخرى، ولابد أن يكون هنالك حذر وتعامل بجدية مع هذا الابن.

هذا الابن لابد أن يتم تقييمه وعلاجه بواسطة المختص، أنا أقدر أن المنطقة نائية بعض الشيء كما ذكرت، لكن في كل المدارس وفي كل المؤسسات التربوية وفي المستشفيات يوجد مختصون من أخصائيين نفسانيين واجتماعيين.

لابد أن يغير من مستوى الذكاء لديه، لابد أن تقيم شخصيته، وبعد ذلك ومن خلال الجلسات النفسية الفردية وكذلك الأسرية يمكن أن تتبدل طباعه ومسلكه، وهذا قد يستغرق شيئا من الوقت، هذا هو الوضع المثالي.

إذا كان ذلك لا يتوفر أعتقد أنه يجب أن يتم اجتماع أسري، وأنت يمكنك أن تنظمي هذا الاجتماع، هذا الاجتماع يجب أن يشمل والده وكل من معه في البيت، الاجتماع يجب أن يخلص إلى أن هذا الابن لديه مشكلة، يعاني من اضطراب المسلك ولابد من احتوائه، واحتواؤه لا يمكن أن يكون من خلال ضربه أو تهميشه أو الإساءة إليه، لابد أن نحفزه، لابد أن نشجعه، لابد أن نشعره أنه جزء أساسي في الأسرة، وفي نفس الوقت يتم إرشاده وتوجيهه، وأعتقد أن إمام المسجد يمكن أن يكون شخصًا فاعلاً ومفيدًا كجزء من الفريق العلاجي الذي يساعد هذا الابن على التغير، وأقصد بالفريق العلاجي إما فريق مهني فيه طبيب وأخصائي نفسي وأخصائي اجتماعي، وهذا ربما لا يتوفر، أو في حالتكم يكون الفريق العلاجي هو أفراد الأسرة، والوالد يجب أن يلعب دورًا تربويًا مهمًّا، هذا الابن يُشجع، هذا الابن يحفز، هذا الابن نشعره بالأمان، هذا يقلل كثيرًا من العناد ومن اضطراب المسلك.

نبحث له أيضًا عن البيئة الصالحة، عن الرفقة الطيبة، وإمام المسجد لا شك أنه سوف يساعد كثيرًا في ذلك.

إذن الطريقة المثلى للتعامل معه هي أولاً: أن يكون من خلال المختصين، وإذا لم يتوفر ذلك أنتم كأسرة، أولاً يجب أن لا نعتقد أننا سوف نروض هذا الطفل، لأننا إذا فكرنا مثل هذا التفكير أن نليّن رأسه – كما يقولون – عاملناه معاملة الضحية، وهذا لا يمكن أن يحدث، والطفل دائمًا يخاف من السلطة، خاصة إذا كانت سلطة الأبوين شديدة، لكن حين نتحدث معه ونشعره أننا نحبه وأنه شخص مرغوب فيه، أنه جزء من الأسرة... أنا دائمًا حين يأتيني أطفال من هذه الشاكلة لديهم هذا الاضطراب السلوكية، أشعره أنني غير متآمر مع ولديه لأليّن رأسه، إنما أشعره بأني بجانبه، وبعد ذلك أجعله يعرف أن هنالك سلطات في الدنيا، هنالك سلطة الأب، هنالك سلطة المجتمع، وهنالك السلطة العليا وهي سلطة الله تعالى في عليائه.

إذن كل واحد منا هنالك سلطة يجب أن تحكمه، حتى المدرس في المدرسة، هنالك مدير المدرسة مسئول عنه، وهكذا، الطفل حين يشعر بوجود هذه السلطات وأننا يجب أن نقدرها، ويجب أن نحترمها دون أن نسيء استعمالها يشعر بالأمان، لكن إذا عاملناه بأسلوب الضرب والتهكم سوف يزيد عناده، سوف يحاول أن يكذب، سوف يحاول أن يتحايل، ويدخل في حلقة مفرغة من الأعمال السلوكية المختلة والتي قد تنتهي به إلى الانحراف.

ليس الأمر ترويضا، إنما الأمر ترغيب وتحفيز وتعديل سلوك، هذا هو المنهج الذي يجب أن يكون، وأسأل الله تعالى له الهداية، وعليك بالدعاء له، وعليك بالمجاهدات العلاجية على الأسس التي ذكرناها، وبارك الله فيك.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً