الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تركتها درءاً للشبهة.. فهل ما فعلته صحيح؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

جزاكم الله خيرا على ما تبذلونه من جهود لخدمة المسلمين، أنا شاب الآن في 26 من العمر، قبل 8 سنوات تعرفت على سيدة تكبرني بعشر سنوات تربطني بها قرابة غير مباشرة من جهة الوالد، وهي محرم لوالدي، وبما أنها متزوجة في مدينة بعيدة عن أهلها فهي شبه مغتربة، وبالقدر فإن أهلي سكنوا في هذه المدينة فصارت كثيرا ما تأتينا، لأنه لا يوجد من قرابتها في هذه المدينة إلا نحن، وكثيرا ماكنت أستقبلها بحفاوة، وكنا نتحدث في أمور عامة وأشياء سطحية، وشيئا فشيئا توطدت تلك العلاقة فأصبحت أرتاح لرؤيتها، وأنتظر مجيئها بفارغ الصبر!

رغم أني استفتيت قلبي، وعرفت أن تلك العلاقة انحرفت عن الجادة، فإن نفسي لم تطاوعني وتلكأت كثيرا، وجعل الشيطان يسوف لي بأن الأمر مجرد علاقة قرابة ليس إلا، فأصبحت أعيش صراعا داخليا بين داعي الهوى وداعي الالتزام.

ذات مرة كانت عندنا فتركت هاتفها في الشحن، فورد إليه اتصال ففتحت الخط وقلت فلانة غائبة، وكان المتصل زوجها، ويبدو أنه انزعج، وإذا به يسألها من هذا الشخص الذي أمسك الهاتف؟ ولماذا؟

كانت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير، فأنبني ضميري كثيرا، وأشفقت على نفسي من الخيانة، وقلت في نفسي لو كنت مكان هذا الرجل المسكين المتزوج الذي يكدح لتوفير لقمة العيش لزوجته وأولاده، ويغترب عنهم هذه المدة هل يسرني أن يأتي أحد المتطفلين بعدي؟!

من يومها قررت وضع حد لهذه العلاقة، فصرت بمجرد أن تدخل عليّ المنزل أترك ذلك المكان الذي دخلت فيه وأذهب إلى غرفة أخرى، وهو أمر يبدو أنه فاجأها كثيرا، فبدأت تسألني لماذا هذا التغير؟ وما هذه الحشمة؟ ولماذا هجرتها؟

أخذت تعيرني بأني حلت عن العهد، وأني خنت صداقتها لي، وأني لم أعد أنا ذلك الأول، واستمرت هذه الحالة سنوات، وفي آخر المطاف استسلمت للواقع وألقت باللوم على التزامي الديني رغم أن محاولاتها لم تتوقف، وفي تلك الأثناء كنت أنا أعاني ما أعاني ولسان الحال يقول لي:
فذق هجرها قد كنت تزعم أنه*رشاد ألا ياربما كذب الزعم.

مرت الأيام وغادرت أنا تلك المدينة وابتعدت عنها فخفت معاناتي كثيرا، ولكني كنت أرجع من حين لآخر، لأن أهلي يقطنون فيها، ولكن ضميري لم يرتح أيضا فكم يحز في نفسي هذا الجفاء الذي عاملتها به، وهذه القطيعة، رغم أنها لم تسئ إلي يوما، ورغم صلة القرابة والرحم بيننا، وسابق الود، فقد تنكرت لها تماما وأظهرت لها البغض مكان المحبة التي تعاملني بها.

أفيدوني جزاكم الله خيرا، فأنا بين نارين، أود أن أعتذر لها عن هذا الجفاء، ولكن لا أريد أن ترجع الكرة لأول مرة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الحميد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

مرحبًا بك أيها الأخ الحبيب في استشارات إسلام ويب.
نحن نشكر لك أيها الحبيب تواصلك معنا، كما نشكر لك أيضًا هذا الشعور الإيماني الأخوي الرفيع الذي دفعك إلى أن ترعى حرمة أخيك المسلم وتحفظ عرضه، وهذا دليل -إن شاء الله- على إيمان في قلبك، ورجاحة في عقلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه).

قد أفلحت أيها الحبيب وأصبت عين الحقيقة حين وقفت هذا الموقف من العلاقة بهذه المرأة، وكنت حازمًا جادًا، ونسأل الله تعالى لك مزيدًا من التوفيق والسداد.

ما فعتله هو عين العقل والصواب، وهو الذي يأمر به الشرع ويمليه العقل، فإن أبواب الفتن سدها الشرع الحكيم وبالغ في سدها، فحرم كل ما قد يؤدي إلى فتنة الرجل بالمرأة من نظر إليها وخلوة لها ولمس لها، بل وحتى الحديث أمر الله عز وجل نساء النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يخضعن بالقول، فقال سبحانه: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض).

وليست مبالغة الشرع في سد هذه الأبواب سُدىً، بل ليعلمه سبحانه وتعالى من طبيعة النفس البشرية من الميل إلى الهوى، والانجرار وراء خطوات الشيطان إذا فُتحت هذه الأبواب.

فقد نهى الله سبحانه وتعالى من اتباع خطوات الشيطان بقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر).

بهذا نحن نكرر ثناءنا أيها الحبيب على هذا الموقف الرائع الملتزم بالعقل والشرع الذي وقفته، ولا نرضى أبدًا بأن تعود على نفسك بالتأنيب لما فعلته، فقد فعلت حسنًا، ونحن وصيتنا لك بأن تستمر على ما أنت عليه، وليس هذا جفاءً مذمومًا، بإمكانك إذا أردت أن تصحح النظرة عند هذه المرأة، بإمكانك أن تُبلغ بعض محارمك بإبلاغك أنك لا تُكِنُّ لها إلا الخير.

لكن مع هذا نحن نرى أن ما أنت عليه الآن هو الموقف الصحيح الذي لا ينبغي أن تعدل عنه، ولست بحاجة إلى الاعتذار عنه، وهو بإذن الله سبحانه وتعالى سبب أكيد لقطع كل طريق للشيطان لجرك إلى ما لا تُحمد عاقبته.

ونحب أن نؤكد هنا أيها الحبيب بأن زعمك في هذه القضية لم يكذب، فالزعم ليس كاذبًا في جميع الأحيان، وهذه من المواطن الذي يصدق فيها الزعم، وأن الهجر هنا هو الرشاد بلا شك، فقد أوجب فقهاء الشريعة على الرجل أن يجتنب النظر إلى النساء من محارمه إذا خُشيت الفتنة بهنَّ، فكيف بمن ليست من المحارم، ومن ثم فما فعلته هو الصواب أيها الحبيب، فلا ينبغي أن تتراجع عنه، ووصيتنا لك بدوام تقوى الله سبحانه وتعالى، وأن تلجأ إليه سبحانه وتعالى أن يثبتك على ما أنت عليه، وأن ييسر لك الخير حيث كان.

نسأل الله تعالى لك مزيدًا من التوفيق والرعاية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً