الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أرفض الشخص الذي تقدم لي إرضاء لوالدي؟ أم أصبر وأستمر بالدعاء؟

السؤال

لقد غضب مني والدي، واتهمني في شرفي، وسبني بألفاظ سيئة عندما تقدم لخطبتي شخص تعرفت به من خلال عملي، ولكن والدي رفضه بشده لأنه مطلق ولديه طفل يعيش معه، كما أنه وجده شخصاً ذا شخصية قوية ومعتزاً بذاته، فحذرني إذا تمسكت برأي وأصريت على هذه الزيجة أنه لن يمنعني، وسيتركني أفعل ما أريد، ولكن لا أعود إلى بيته مرة أخرى.

أخشي أن يكون إصراري على موقفي به عقوق لوالدي، فأنا أحبه بشدة وأحترمه، وأعلم أن موقفه هذا بسبب حبه الجم لي، ولكني بلغت الـ 32 من عمري، وأريد أن أستقر بحياتي الخاصة، كما هو شأن جميع أخواتي، فأنا ابنته المدللة والمميزة لديه منذ صغري، أحاول أن أكلمه في مواضيع بعيده تماماً عن الزواج الآن، ولكن لم أعد أستطيع الحديث معه، وأشعر بالظلم والتجريح من ناحيته والتعسف في استخدامه لسلطانه الأبوي، وهو على دراية تامة بأني ابنته البارة له ولن أخرج عن طوعه.

ولكني الآن وصلت لمرحلة لا أستطيع أن أتكلم معه تماماً في أي موضوع سوى أن أقبل يده وجبهته صباحاً، وأجلس صامتة أمامه لفترة ثم أذهب إلى غرفتي، وإذا خرجت من المنزل استأذنه وأعلمه أين أذهب، ولكن لا أستطيع مشاركته أطراف الحديث، والوضع أصبح مزعجاً لي، وخصوصاً عندما يأتي إخوتي وزوجاتهم وأزواجهم فأجلس أنا وحيدة ويتناولون هم جميعاً أطراف الأحاديث، وأظل أنا مشاهدة وصامتة وحزينة.

أخشي أن أكون بذلك عاقة لوالدي، وأخشى غضب الله عليّ، وأخشى أن يتوفاه الله وهو غاضب عني، فهل أترك تمسكي بالزواج بهذا الشخص لأرضيه وأتزوج من يختارونه هم لي وأنا كارهة؟ أم أصبر وأستمر في دعائي له بالهداية والرضا علي؟

أفيدوني أفادكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أحب والدي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فمرحبًا بك أختنا العزيزة في استشارات إسلام ويب، زنسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك وتسكن إليه نفسك، ونشكر لك أيتها الكريمة برك بوالدك وحرصك على إرضائه، ونسأل الله تعالى أن يجعل ذلك سببًا لكل خير يُساق إليك.

لا شك أيتها الكريمة أنك في موقف يدفعك إلى الكثير من التردد والحيرة، ولكننا ننصحك بأن تكوني على ثقة بأن قرار الوالدين ناشئ عن شدة شفقة ورحمة بك وحرصًا على مصالحك، كما أنهما أيضًا أدرى منك بالحياة وأهلها، وأكثر منك خبرة مخالطة بالناس ومعرفة بأخلاقهم، ومن ثم فإن نظرهم وتقييمهم للأمور أسد وأكمل من تقييمك أنت، كما أنهم بعيدون عن التأثر بالحاجة التي تشعرين بها أنت، ومن ثم فإن قرارهم يكون صائبًا بالنظر للأمور بعين العقل بعيدًا عن التأثر بالعاطفة، وهذا كله يغرس فيك أيتها الأخت الثقة بقرار الوالد، لاسيما مع ما عهدته أنت من هذا الأب الكريم من تدليله لك وحبه لك وتمييزه لك عن أخواتك، وهذا كله بلا شك يدل على أنه لن يقرر إلا ما فيه الخير لك.

ومن ثم فنصيحتنا لك أيتها الكريمة أن تأخذي قراره بعين الاعتبار وتنظري إليه بعين الفحص والتأمل، فلا بأس بأن تصارحي والدتك وإخوتك الكبار بما تعانينه أنت من تقدم في السن وتطلبي منهم الطلب من الأب بأن يعيد النظر في الأمر وأن يوازن بين ما أنت فيه من المرحلة العمرية، فإن كان ثم وفرة في من يتقدم لك ويطلبك للزواج فالخير ربما يكون فيما قرره الأب.

أما إذا كنت ترين بأن الخطّاب لا يكادون يتقدمون لك وأن هذه الفرصة التي أنت فيها ربما لن تعوض، فينبغي أن تكوني شجاعة نوعًا ما في مصارحة والدك، وطرح الأمر عليه بأدب، وأن تبيني له هذه الحاجة وهذه الضرورة، وتخوفك من أن يفوتك قطار الزواج، وتُبدي له أيضًا تقديرك واحترامك لوجهة نظره ومعرفتك لمدى حرصه على اختيار الأفضل لك، ولكن ربما يكون هذا الأفضل غير متاح وغير ممكن الوصول إليه.

وبهذا النوع من الإقناع والطرح المؤدب لوالدك ستصلين - بإذن الله تعالى - إلى بغيتك، فاستعيني بكل من له تأثير على والدك من إخوانك أو أخوالك أو أعمامك، وطرح هذه النظرة المتوازنة للأمور، وضرورة الطلب منهم إلى أن ينظروا للأمر بنوع من التمحيص والتدقيق والموازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة عليه.

وخير ما ندعوك إليه ونوصيك به: اللجوء إلى الله تعالى بصدق واضطرار، بأن تحسني علاقتك بالله تعالى وتحافظي على فرائضه، وتتجنبي ما حرمه عليك، وتكثري من استغفار الله تعالى، وتكثري من دعائه سبحانه لاسيما في أوقات الإجابة التي تحرى فيها إجابة الدعوة كالدعاء حال السجود وبين الأذن والإقامة والثلث الأخير من الله، وتسأليه سبحانه وتعالى بصدق أن يرزقك الزوج الصالح، وتستخيريه سبحانه وتعالى في الزواج من هذا الرجل، ثم ما يقدره الله تعالى لك فإنه خير ولو كان على خلاف ما تتمنين، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، وأيضًا بالتقوى ينال كل خير، وكذلك بالعصيان والذنوب يحرم العبد من الرزق، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه).

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً