الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشكو من أعراض تشير إلى أنها رهاب.. فهل هذا التشخيص صحيح؟

السؤال

فضيلة الدكتور:
أنا مصابٌ بالرهاب الاجتماعي منذ إحدى عشرة سنة تقريباً، والحمد لله على كل حال، وقد تسبب لي هذا المرض بطريق غير مباشر بترك الدراسة والفراغ لمدة سبع سنوات، والانطواء على النفس وترك الأصحاب، وقطيعة الأرحام، والتأثير السلبي على ديني وصحتي بشكل عام، بل حتى الزواج أعده من المستحيلات إلا أن يشاء الله، وقد حاولت جاهداً للتخلص مما أنا فيه بشتى الوسائل، ولكن بلا جدوى، وذلك لعدم وجود من يأخذ بيدي علمياً وعملياً، وقد جربت العلاج النفسي الدوائي والمعرفي والسلوكي ولكن دون فائدة، وكان مما حاولت التداوي به الرقية الشرعية، رقية مكثفة، والدعاء بإلحاح وتضرع حتى استحييت من ربي لمدة تتجاوز العام والنصف تقريباً، ثم أيقنت يقيناً تاماً أن الشفاء لو كان خيراً لي ما حرمني ربي إياه، وهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، وما منعني العافية إلا للطف خفي أراده لي سبحانه، وثم بعد هذه المحاولات قررت التعايش مع هذا المرض وتحجيمه قدر الإمكان، والإقبال على الله بعبادته، ولكني لم أستطع، بل إني حتى عبادة الله لم أستطع أن أعبده كما أريد؛ وذلك لانشغال القلب بالمرض النفسي، ومن المعلوم أن محل العبادة الحقيقي هو القلب، وكما يُقال المشغول لا يُشغل.

والسؤال: ماذا لو رجعت لرقية نفسي ثانية ودعاء الله في رفع ما أنا فيه أم هذا من تحصيل الحاصل؟ علماً بأني لن أستطيع القيام بما قمت به سابقاً؛ لأني لم أعد كما كنت صحياً، أم أن رجوعي للرقية ثانية والدعاء في رفع ما أنا فيه لا مطلق الدعاء من عدم الحكمة؟ لأنه كما يُقال إذا كنت تفعل نفس السبب وتظن أن النتيجة ستتغير فأنت مجنون.

أشيروا علي أثابكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو فيصل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فبارك الله فيك وجزاك الله خيرا.

رسالتك واضحة ومهمة في نفس الوقت، وحقيقة أنك لم تستجب للعلاج السلوكي وللعلاج الدوائي، هذا يعني أنك لا تعاني من الرهاب الاجتماعي؛ لأن الرهاب الاجتماعي يستجيب بصورة فعالة جدا للآليات العلاجية، ونسبة الشفاء من هذه العلة أصبحت مرتفعة جدا، ومعظم الذين يتناولون الأدوية بانتظام مع العلاج السلوكي يتم شفاؤهم.

أخي الكريم: أرجو أن لا تنزعج لما قلته لك؛ لأننا كأطباء نفسيين لا بد أن نلتزم بالمعايير العلمية، والمعايير العلمية تقول: إن أحد أسباب عدم الاستجابة للعلاج هو أن التشخيص خطأ، وأنا لم أجد أي تفسير علمي لحالتك، غير أن أقول لك إن التشخيص لحالتك ليس صحيحا، فهذا يعني أنه يجب أن يعاد تقييمك تقييما كاملا.

هنالك حالات نفسية قد تتداخل، وتعطي الانطباع بأن الحالة حالة رهابية، وهي تكون أمرا مختلفا تماما، وهنالك أنواع من الوساوس وهنالك أنواع من الذهانات التي قد تعطي صورة الخوف والرهاب، والتشخيص مختلف في مثل هذه الحالة، ولا بد أن تكون هنالك وسائل العلاج مختلفة.

أخي الكريم: انطلاقا من هذا أريد أن أحتم على أمرين أرى أنهما من الضروري جدا، وهما:

أحدهما: أن تذهب إلى أحد الأطباء النفسيين المقتدرين ليقوم بتقييم حالتك تقييما جديدا، ومن ثم يتم التوصل إلى التشخيص الصحيح، وبعد ذلك توضع الآليات الصحيحة، والتي يجب أن تتبعها، هذا هو الأمر الأول.

الأمر الثاني: الإنسان مهما كان وضعه النفسي، ومهما كانت درجه الكدر، ومهما كانت درجة الإحباط، ليس هناك ما يمنعه من تقوى الله، وأن يشغله عن طاعة الله وأن يكون في معية الله، هذه يا أخي يجب على الإنسان أن يجسد هذه الحقيقة أمامه، وينطلق من خلالها.

نعم الإنسان عندما يجد نفسه على درجة من الكدر والسوداوية والحزن تنخفض همته ومقدراته وإقباله على كل شيء حتى العبادة، لكن أن يصل إلى درجة عدم الاستطاعة، هذا ليس صحيحا، وليس موجودا، فيا أخي الكريم ادفع نفسك وأدعو لنفسك أن ييسر الله أمرك، وأنا على ثقة كاملة أنه بعد أن يتم تثبيت التشخيص لحالتك، وتعطى العلاج الصحيح، وسوف تتحسن حالتك، وأما في وضعك الحالي، وأنت تقول أنك تعاني من الرهاب الاجتماعي ولم تستجب، هذا لم ألحظه ولم أشاهده في كل حياتي المهنية التي امتدت فوق الثلاثين عاما.

فإعادة التشخيص مهمة وواجبة، وإن شاء الله تعالى يفتح الله عليك، ويفرج عنك كل ما تعاني منه، فالطب النفسي تقدم جدا، وأصبح يعطي الكثير والكثير للناس.

ولمزيد من الفائدة يمكنك الاطلاع على الاستشارات التالية حول العلاج السلوكي للرهاب: (269653 - 277592 - 259326 - 264538 - 262637 ).

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، وأسأل الله لك الشفاء والعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً