الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي توفي أمامي وأصبت بصدمة... فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب سوري الجنسية، عمري 18 سنة، الآن حاليا زائر في الإمارات، في شهر تموز في ليلة من الليالي كنا جالسين أنا وأهلي نضحك ونتبادل الحديث، وكان والدي جالسا أيضا، وإذ فجأة يصمت أبي وتوفي! أنا أصبت بصدمة لا توصف، وحزنت جدا، خاصة أني بعمري لم أر ميتا.

بعد حوالي شهر وبسبب المشاكل في بلدي سافرت إلى الإمارات، ومنذ أسبوعين تقريبا بدأت أشعر عندما أريد أن أنام أخاف من الموت جدا، لدرجة أني لا أستطيع النوم أبدا حتى الساعة 8 أو 9 صباحا، وأحيانا أقول هي آخر لحظة بحياتي وسوف أموت وأتشهد.

أنا في هذه الحالة منذ شهر، ذات مرة بدأت أرجف ويدي تتنمل، ولا أشعر بها من كثرة التفكير بهذا الموضوع.

كلما يختفي هذا الشعور يأتي بعد يوم أو يومين أو عندما أسمع أن أحد أصدقائي قد توفي أو أقربائي. لقد تعبت من هذا الموضوع جدا، لدرجة أني لا أحب النوم لكي لا أفكر.

للمعلومة: أنا أصلي وأقوم بواجباتي، وأقرأ القرآن، وصراحة قرأت بعض تحليلات لكم، ولكن دون جدوى، أنا مرهق من هذا الشعور، أشعر أني في اكتئاب، حياتي روتينية، لا أمارس أي نشاط، مع أني طالب متفوق، أدرس الهندسة، ولكن لا أدري ماذا يحصل لي.

أرجوكم ساعدوني، هل أحتاج إلى طبيب نفسي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نسأل الله تعالى لميتكم الرحمة والمغفرة، وأن يجعله في عليين.

أنا أقدر شعورك تمامًا أيها الابن الفاضل، والتجربة التي مرت بك هي تجربة ليست بالسهلة، أن ترى والدك يموت أمام ناظريك وأنت قليل التجربة بأمور الموت، لا شك أنه موقف فيه الكثير من الشحنات الوجدانية، والتأثر والحزن والكدر والارتباك.

أنا أريدك أن تعتبر هذه خبرة، والخبرات تُكتسب أحيانًا عن طريق القدر، كما ذكر ذلك الله تعالى في قصة هابيل وقابيل، عندما رأى قابيل الغراب يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه، وكان هذا أول ما تعلمه الإنسان من أمور دفن الميت.

قضية الموت هي قضية أزلية مكتوبة على كل حي، والإسلام لم يترك شاردة ولا واردة في هذا الأمر إلا جعلها واضحة لنا، فكما تعرف أن الموت حق، وحتى الرسول صلى الله عليه وسلم خُوطب: {إنك ميتٌ وإنهم ميتون}.

الإنسان ينبغي أن يخاف من الموت، لكن لا يعيش تحت تهديده، فكلنا نكره الموت كما ورد في الحديث عن أمنا عائشة رضي الله عنها: (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ " قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: "لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ).

الإنسان في كنف الله وفي حفظ الله، والآجال هي بيد الله، وأنا أريدك أن تركز على أذكار النوم، خاصة الذكر المأثور: (اللهم بك وضعتُ جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).

هذا الكلام العظيم الجميل حين يقوله الإنسان وهو مضطجع على جنبه الأيمن، لا شك أنه يبعث طمأنينة عظيمة، فإن مات الإنسان فهو في رحمة الله، وإن عاش فهو في حفظ الله.

إذن المشاعر التي أتتك هي مشاعر وجدانية طبيعية، وأنا أقدر هذه المشاعر، وأحس بإحساسك، وأقول لك إن هذا أيضًا -إن شاء الله- فيه دليل على حبك وبرك لوالدك - رحمه الله - لكن لابد أن تتخطى، لابد أن تتكيف مع هذا الوضع، وادعُ لوالدك بالرحمة، فهذا من بره، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أو ولد صالح يدعو له)، وأنت إن شاء الله تعالى من الصالحين.

ثانيًا: عش حياتك بصورة فعالة، تواصل اجتماعيًا، مارس الرياضة، حرصك على الصلاة في وقتها وقراءة القرآن بتمعن وبتدبر سوف تكون هي أكبر الدعائم والمساندة الكبيرة بإذن الله تعالى.

ليس هنالك تحليلات أنت محتاج لقراءتها، فالأمر واضح جدًّا، أنت تتفاعل تفاعل إنسان طبيعي، وهذا يدل على عطف في قلبك ورحمة في كيانك ووجدانك، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما هي رحمة جعلها الله في قلوب بعض عباده) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

رتب ونظم وقتك، هذا مطلوب، وهذا يفيدك كثيرًا إن شاء الله تعالى، أنت طالب متفوق اسأل الله تعالى أن يزيدك، واسع لأن تحمل اسم والدك، وزود نفسك بالمعرفة والدين؛ فهما أفضل ما يمكن أن يزود الإنسان بهما نفسه.

أيها الفاضل الكريم: إن استطعت أن تقابل الطبيب النفسي فلا بأس فهذا جيد، وإن لم تستطع فطبق هذه التمرينات والنصائح التي ذكرتها لك، فهي سوف تساعدك إن شاء الله في التواؤم والتكيف.

ربما يكون أيضًا من الأحسن أن تتناول أحد الأدوية المضادة للقلق والتوتر والمحسنة للمزاج، أنت لست مريضًا، هي مجرد ظاهرة نفسية إنسانية، لكن لنعجل إن شاء الله تعالى في تحسن مزاجك، إن شئت تناول هذا الدواء - الدواء يعرف تجاريًا باسم (زولفت) ويسمى تجاريًا أيضًا باسم (لسترال) ويسمى علميًا باسم (سيرترالين) - والجرعة المطلوبة هي أن تبدأ بنصف حبة - أي خمسة وعشرين مليجرامًا - تناولها ليلاً بعد الأكل، استمر عليها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبة كاملة (خمسين مليجرامًا)، تناولها ليلاً لمدة شهرين، ثم خفضها إلى نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

هذا الدواء دواء طيب وجميل وفاعل وسليم وغير إدماني، أسأل الله تعالى أن ينفعك به، وبارك الله فيك وجزاك الله خيرًا، وادع لوالدك: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، وجازه بالإحسان إحسانًا وبالسيئات عفوًا وغفرانًا.
وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً