الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أستمر مع خاطب لا يصلي أحيانا ويريد مني أن أتحدث معه؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم, أما بعد:

أنا فتاة أبلغ من العمر 26 عاما, أقوم بواجباتي الدينية, تعرضت للسحر وشفيت منه -بفضل الله-, خطبت مرتين ولم أوفق, وأنا الآن مخطوبة للمرة الثالثة, قمت بصلاة الاستخارة عدة مرات, في البداية ارتحت, وبعدها لم أعد مرتاحة بتاتا, وتعرضت لعدد من المشاكل, خاصة أنني أردت العقد من البداية, وسهَّلت لهم كل شيء, ولم أشترط أي شيء, وعائلة الخطيب وعدوني بذلك من البداية, ثم خالفوا وعدهم لي رغم الماديات المتوفرة, وهم يريدوني أن أبقى على هذه الحال ثلاث سنوات أو أكثر, بدعوى إكمال تعليمي, وأنا طبعا -ككل فتاة مسلمة- أقدم رضا الله والزواج على أي ثمين, وأخبرتهم بذلك عدة مرات, وقلت لهم: إنه لا يجوز لنا أن نبقى على هذه الحال, لا الخروج, ولا الخلوة, ولا المكالمات الهاتفية, بدليل الكتاب والسنة, والمشايخ والعلماء, لكنهم يستهزئون بي, ويقولون لي: إن اتبعنا المشايخ فلن نستطيع فعل شيء, وأنا أنقم على كل شخص يقدح في كلام الله ومشايخنا وعلمائنا, فيضربون لي أمثلة, ويقولون فلان متَّقٍ ويخرج مع خطيبته, وفلانة متدينة و ... فأخبرتهم بأن كل من يفعل ذلك سيحاسب, ويقولون لي: بأن كل من تريد العقد تكون خائفة من ضياع العريس, وهذا يحزنني ويبكيني.

أما الخطيب: فيطالبني بالخروج معه, والمكالمات الهاتفية والليلية, والذهاب معه في السيارة لمنزلهم, وعائلته يطالبوني بذلك, وأمه تطالبني بالذهاب معها لمنازل أقاربها كل جمعة, وأنا أرفض فيغضب هو مني, بكل صراحة لم أعد أرغب فيه, ولا عائلته؛ فقد أتعبوني كثيرا, وأنا أهوى العيش على دين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأتمنى زوجا تقيا, مصليا, متدينا, خلوقا, مع العلم أنه يقطع الصلاة من حين لآخر, ويقول: بأني السبب؛ لأني أغضبه, ويقول: بأن الله سيحاسبني على ذلك, وأنا خائفة لو أن كلامه صحيح, وكذلك اكتشفت فيه شدة الغضب, واختراع المشاكل لأتفه الأسباب, وإلحاحه الدائم, والبخل معي بصفة خاصة, وتحكم عائلته فيه, حتى في ادخار أمواله, فلا أستطيع الاتفاق معه على أي شيء دون قراراتهم, مع العلم أن أمه تقف دائما وراء الباب, وتراقب مكالماتنا, وهو يتفطن لها, وتريد إسكاني معها بقسمة المنزل بيننا بالخشب المنقب, وليس الحائط, مع أنهم يملكون منزلين إضافيين قريبين من منزلهم, منزل تسكن فيه ابنتهم المتزوجة مع زوجها وحدهما, والآخر مؤجَّر, وأبوه أراد إعطاءنا منزلا نسكن فيه وحدنا, لكن أمه رفضت بدعوى الخوف عليّ من الوحدة, وهذا طبعا بعد سنين, أما الخطيب فلا يقتنع إلا بكلام وتصرفات أهله حتى لو أخطأوا, وعندما يغضب يطلب مني فسخ الخطبة في عديد من المرات, ثم يطلب السماح, وعدم التكرار, ويعيدها مرات ومرات, وكلها بسبب عائلته, وأنا تعبت -واللهِ تعبت- وأمه تقول لي دائما أمامه: بأنه رجل, وكثير من الفتيات يتمنينه, وكل فتيات العائلة يردن الزواج به, وهذا ما يزيد من عدم احترامي لهم, أما هو فيقول لي: بأني لن أجد عريسا مثله, وأنه لن يتزوج بعدي, وسيقتل نفسه لو تركني, ولن يقبل بي أحد بعده, وسوف أخسره, وأنا خائفة من أن يغضب عليّ الله لو تركته, وأخاف ظُلْمَه, وأنا حائرة وفي كرب شديد, حتى أني أضعت دراستي, ولم أعد أفكر إلا في هذا الموضوع, وتعبت نفسيا, وأنا حساسة جدا, ولا أريد جرحه وألمه-ولا أي شخص كان-أرجوكم انصحوني, أفيدوني كأخيَّة في الله, ما عساني أفعل؟
هل أنا مخطئة؟
هل أبقى معه أم أتركه؟
وأنا حقا لم أعد أريده, ولا أرغب في البقاء معه, إن رفضت الإكمال معه أخاف ظُلْمه, وإن بقيت معه فسأظلم نفسي وأعذبها, ولن أعيش كما أريد على دين الله, بل سأنغمس في مشاكل الدنيا من حماة, وقيل وقال, بل أريد أن تكون حماتي كأمي, كصديقتي, وليس بيننا عداوة, ولا أرغب في العيش مع ناس يستهزئون بدين الله, ولا يأمرون بالمعروف, ولا ينهون عن المنكر.

شكرا لرحابة صدركم, وسامحوني للإطالة, أنتظر ردكم بفارغ الصبر, وأرجو أن تدعوا لي, وبارك الله فيكم, وأسكنكم الفردوس الأعلى, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بعثت لكم منذ أسبوعين ولم تصلني إجابة أرجو الرد فأنا في كرب شديد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آمنة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فمرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب, نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقك الزوج الصالح، وأن يقدر لك الخير حيث كان.

لقد أصبت -أيتها الكريمة- حين قررت بناء حياتك على طاعة الله تعالى والتزام دينه، وهذا باب السعادة الحقيقي في العاجل والآجل؛ فإن الإنسان لن يجد عيشًا طيبًا هنيئًا إلا في ظلال طاعة الله تعالى, والتزام شرعه.

ونحن -أيتها الكريمة- متفائلون كل التفاؤل في مستقبلٍ سعيدٍ لك بسبب التزامك بأمر الله تعالى, وحرصك على طاعته؛ فإن الله سبحانه وتعالى وليُّ الذين آمنوا، كما أخبر بذلك في كتابه، يتولى أمرهم ويدافع عنهم، وقد وعد سبحانه وتعالى بأن يجعل لهم من كل همٍّ فرجًا, ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، فقال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

فكل الخير -أيتها الكريمة- في طاعة الله، وكل التعاسة والشقاء في معصية الله تعالى, والإعراض عن أمره، فنحن لا نخاف عليك أبدًا من المستقبل ما دمت ماضية في هذا الطريق، وهو الحرص على الوقوف عند حدود الله تعالى والعمل بما يُرضيه.

وقد أصبت حين علمتِ بأن الحديث مع هذا الخاطب كلام فيه خضوع ولين, أو الخلوة به, أو الخروج معه, أو وضع الحجاب معه، كل ذلك مما لا يجوز، أصبتِ في هذا كله، لأنه لا يزال رجلاً أجنبيًا عنك, والواجب عليك أن تتعاملي معه كرجل أجنبي، وكوني على ثقة ويقين تام بأنك إذا أرضيت الله تعالى رضي عنك وأرضى عنك الناس، وأنه سبحانه وتعالى إذا سخط على الإنسان أسخط عليه الناس أيضًا كما جاء في الحديث؛ فاحرصي على رضا الله الذي بيده قلوب الخلق يقلبها كيف يشاء.

ونحن لا ننصحك بالتعجل بفسخ خطبة هذا الرجل ما دام يحبك, ويحرص على الزواج منك، ولكن إذا كان يصر على أن تقعي في معصية الله تعالى، ورأيت منه أيضًا تهاونًا في صلاته بحيث يضيع الصلاة عامدًا ويتهاون فيها، فهذا وأمثاله ربما يكون الخير في تركهم, والإعراض عنهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا في الحديث إلى أن نختار صاحب الخلق والدين، فقال عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).

إذا رأيت منه قبولاً لمسلكك هذا, والتزامك بتعاليم دينك, واجتناب ما حرم الله عز وجل عليك, ورأيت منه الاستجابة منه لأداء الواجبات المفروضة عليه؛ فأتمي الأمر وواصلي الطريق.

أما إذا رأيت الأمر على خلاف ذلك فإنك لن تتركي شيئًا لله إلا عوضك الله عز وجل خيرًا منه.

أما ما تجدين من كلمات وعبارات منه, أو من أمّه في شأن أنك لن تجدي أحسن منه, وأن كل النساء يتمنينه, ونحو ذلك؛ فهذه العبارات لا ينبغي أبدًا أن تعيريها اهتمامًا؛ فإن كثيرا من الناس ينظرون إلى أنفسهم هذه النظرة، فلا ينبغي أن تكون سببًا لإزعاجك، بل ينبغي أنت كذلك أن تكوني متحببة إلى زوجك إذا تم العقد، فتشعرينه بالثقة بنفسه, وتبادلينه الكلمات التي تُدخل السرور إلى قلبه، وأنه من أفضل الناس ومن أحسنهم، ونحو ذلك من العبارات، وهذا السلوك لن يزيدك إلا حُبًّا في قلبه، ولن يزيده إلا تعلقًا بك، ولن يعود عليك إلا بالنفع, وإدامة الألفة والمحبة بينكما.

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يقدر لك الخير حيث كان, وييسره لك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً