الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم أنسجم مع خطيبتي ففسخت الخطبة، فهل كنت متسرعا في ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

عندي قصة أريد أن أسردها عليكم، وأسألكم بالله أن تنصحوني بالخير.

أنا شاب أعمل في الخليج، وقد من الله علي بأن استطعت أن أجمع المال الكافي كي أخطب وأتزوج.

كنت قد أخبرت والدتي وعائلتي بنيتي للزواج، فكانت والدتي تبحث لي عن بنت الحلال.

فكوني مغترب قد لا أستطيع أن أبقى في بلدي أكثر من عشرين يوما، وهي مدة الإجازة المسموحة لي، فكنت أحضر لبلدي، وأذهب لرؤية البنات اللاتي اختارتهم والدتي، وبقيت على هذا المنوال سنتين حتى حددت فتاة، وتقدمت لخطبتها.

بصراحة البنت لم تكن بنفس المواصفات التي كنت أطلبها (من ناحية الشكل)، ولكنني كنت على عجلة من أمري حيث كان سفري قريبا، فخطبت البنت، وعقدت عليها.

كنت أجلس معها في الأيام القليلة الباقية على سفري، وأتحاور وأتكلم معها، لكنني لم أكن أشعر بأي شعور عاطفي تجاهها، وحتى طريقة التفكير لنا الاثنين لم تكن متوافقة، لكنني تجاهلت الموضوع، إضافة أن أهلي أقنعوني بأن هذه الأمور تأتي مع الوقت والعشرة.

وبعدها سافرت، وكنت أكلم خطيبتي عبر الهاتف والانترنت مرارا وتكرارا، ولكن نفس الشعور ما زال موجودا، لم يكن هناك أي ميول عاطفية تجاهها، يمكن لأنها ليست بنفس المواصفات التي طلبتها، أو يمكن بسبب اختلاف طريقة التفكير بيننا.

كنت أخبر أهلي بالموضوع، ولكنهم كانوا يقولون لي بأن هذه الهواجس سببها الشيطان يريد أن يفرق بين زوجين ينويان تكوين أسرة مسلمة.

في الحقيقة لقد تعبت جدا من التفكير في الموضوع، ومن تخيل استمرار هذا الشعور بعد الزواج فعندها تكون الحياة لا تطاق.

استمرت خطبتي ثلاثة أشهر، وبعدها حسمت الموقف، وقررت أن أفسخ الخطوبة.

حاول أهلي أن يثنوني عن قراري، ولكني والله لم أستطع أن أنسجم معها، تأثرت البنت كثيرا، وكانت صدمة نفسية بالنسبة لها، وصارت هناك نوع من الكراهية بين عائلتي وعائلتها.

هنا بدأت أشعر بالذنب، حيث أن البنت سوف تكتب مطلقة؛ لأنني كنت عاقدا عليها، ما زال ينتابني شعور الذنب، وتأنيب الضمير ليلا ونهارا، ولا أعرف ماذا أفعل؟ كل ما كنت أفكر فيه عندما فسخت الخطبة هو أن لا أظلمها معي بعد الزواج، وإنهاء المسألة الآن خير من بعد الزواج.

هل ما فعلته هو الصواب؟ وهل كان قراري متسرعا؟ أفيدوني جزاكم الله خير، فأنا لا أعلم ماذا أفعل، وكيف أتصرف في مثل هذا الموقف.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حمزة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يمنّ عليك بزوجة صالحة طيبة مباركة تعوضك عمّا فقدتَ خيرًا، وتكون عونًا لك على طاعة الله.

وبخصوص ما ورد برسالتك فإنه ومما لا شك فيه أنك تعجلت في المرة الأولى، وأنه ما كان ينبغي عليك أن تتعجل بهذه الصورة التي أدت إلى كسر قلب هذه الفتاة الآن وأن تحولها إلى إنسانة مطلقة، وأنت لم تلتزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان بأن يتأنى وأن يتريث وأن لا يتأخذ قرارات على جناح السرعة أو بدون دراسة متأنية، ولذلك أخبرنا بقوله: (في التأنّي السلامة، وفي العجلة الندامة) والنبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أن الله يُحب الرفق في الأمر كله، وهو صلى الله عليه وسلم أيضًا كان يُحب الرفق في الأمر كله.

فأنت بارك الله فيك لم تلتزم هدي النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك، وتعجلت نتيجة ضيق الأجازة كما ذكرت، وحرصك على أن تتزوج بما أن الله منّ عليك بالإمكانات المادية، ولكن نسيت أن هناك شِقًا آخر وهو أن الزواج شركة طويلة المدى، ليست مسألة ساعة أو ساعتين أو يوم أو يومين، وإنما شركة قد تستمر لخمسين أو ستين أو ثلاثين أو أربعين عامًا، فعجلتك هذه أنت الآن تدفع ثمنًا فادحًا لها، وذلك بهذا الطلاق الذي أقدمت عليه حتى تتخلص من تلك الأشياء والآثار النفسية التي مازالت تعمل في نفسك حتى أقدمتَ على هذا القرار الخطير.

أما بخصوص قرارك وهل ظلمتَ هذه الفتاة أم لا؟ ففي الواقع الطلاق قضية جعلها الله تبارك وتعالى حلاً للمشكلة، ومشكلتك فعلاً كانت في مسألة عدم قبول الأخت وعدم الانسجام معها، وحسب المعطيات التي فهمتُها من رسالتك أنه كان يتعذر فعلاً عليكما أن تستمرا في حياة زوجية مستقرة، ولذلك أقول:

والذي أقوله لك هو أن تستغفر الله سبحانه وتعالى، وأن تعلم أن هذا قدر الله تبارك وتعالى، وأنه فعلاً لعل ما قدره الله تعالى لكما خير، قال تعالى: {وإن يتفرقا يغنِ الله كلاً من سعته} ولعل تركك لها الآن أن يكون أهون من تركك لها في وقت آخر، فاستغفر الله تبارك وتعالى، وتب إليه، واجتهد في إكرام الأخت قدر الاستطاعة، وسل الله تبارك وتعالى أن يغفر لك وأن يمنّ عليك بزوجة أخرى أفضل منها.

ولكن من حقك فعلاً أن تضع حدًّا لحياة مؤلها معاناة نفسية، خاصة وأنك حاولت لفترة طويلة أن تتغلب على مشاعرك التي لاحظتها من الأيام الأولى، إلا أنك لم تتمكن.

فأقول نعم إنك تعجلت في القرار الأول، والقرار الثاني كان فعلاً فيه قدر من القسوة لأن الأخت قد أعدت نفسها لتكون زوجة، وأنها حاولت قدر استطاعتها، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى قلبك، نتيجة الحاجز النفسي.

فأنا أقول: قدر الله وما شاء فعل، ولا أعتقد أن هناك شيئًا كبيرًا تستطيع أن تفعله أنت الآن أكثر من إرضائك لها بأي هدية أو غير ذلك، وإن كنتُ أعتقد أنك لو أعطيتها الدنيا كلها لم ولن تقبل ولن تستطيع حقيقة أن تضمد جرحها، ولا أن تعالج كسر قلبها.

أسأل الله أن يغفر لك، وأن يتوب عليك، وأتمنى أن لا تتعجل مرة أخرى، وإنما عليك أن تتأنى حتى وإن مرت سنوات وسنوات، لأنه كما ذكرت لك إن الخطأ في اختيار الزوجة ليس خطئًا ليوم أو لشهر أو لعام، وإنما خطأ لحياة طويلة كاملة.

غفر الله لك وتاب عليك، وتجاوز عن سيئاتك، وعوضك خيرًا عما فقدت، إنه جواد كريم. هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً