الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف من الموت ومن يوم القيامة عكَّر علي حياتي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,,

أنا متزوجة ولدي طفلان, وحامل بالثالث, كنت أعيش حياة سعيدة –والحمد لله- محافظة على صلواتي, وأعلم حقيقة الموت ويوم القيامة, ولكن حصل حدث كبير غيَّر مسار حياتي, توفيت صديقتي وهي بنفس عمري, وحزنت عليها, ولكن حزنت على نفسي أكثر, وأصبحت أتنفس الموت, أحس بالموت كل لحظة, وبيوم القيامة أنه اقترب, والعلامات الصغرى كلها ظهرت, وأتخيل نفسي هيكلا عظميا, وعندما أنام أحس نفسي في القبر, واللهِ إني أهملت بيتي وأطفالي وزوجي من شدة الخوف, وأقول: لا يجب أن نأكل أو نشرب أو نتداوى؛ لأننا سنموت, وأنا أعلم أنه غير صحيح, ولكن غير قادرة على الثبات, وذهبت إلى طبيب نفسي وأخذت علاجا لمدة شهر, وتحسنت, مع بداية حملي رجعت الحالة -الخوف من يوم القيامة أنه اقترب- مع العلم أني محافظة على الصلاة على وقتها, وقراءة القرآن والأذكار, ولكن عندي حالات خوف شديد, ونوبات بكاء لا أعلم حقيقتها, ولكني أريد أن أعرف ما الذي يحصل معي بالضبط؟

من الممكن أن يريحني الرد, وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإن الحالة التي تعانين منها هي ما نسميها بالخوف الوسواسي، والوسواسية واضحة جدًّا في تخيلك حول العلامات الصغرى, ومشاهدتك نفسك هيكلا عظميا، وإحساسك بنفسك أنك في القبر, فهذه كلها وساوس، والوسواس كثيرًا ما تنطلق من حقائق، ليست كلها من فراغ، خاصة حين تكون أحد مكوناتها هي المخاوف؛ فالموت حق, والقبر حق, والبعث حق, ويوم القيامة يوم هولٍ وشدة, لا شك في ذلك، قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم* يوم ترونها تذهل كل مرضعة عمَّا أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها وترى الناس سُكارى وما هم بُسكارى ولكنَّ عذاب الله شديد*} سورة الحج الآيتان (1-2 )

وحين نظرتُ للأمر بكل تفاصيله مما ورد في رسالتك هذه أقول لك: إن مخاوفك قد خرجت من النطاق الطبيعي المقبول، ودخلت في الحيز الوسواسي، وهذه علة مرضية, ولا شك في ذلك، هذه الاجترارات الفكرية المستحوذة ليست هي من النوع الطبيعي من الخوف من الموت, أو حياة البرزخ, وهكذا.

ما الذي نعمله حيال الوسواس؟ .. الوساوس تعامل بالتحقير, وبالتجاهل، وهنا تحقري هذه الأفكار كأفكار وسواسية، لكن ليس حقيقة الموت, أو حقيقة البعث, أو حياة البرزخ, أو يوم القيامة، هذه ثوابت لا شك فيها، لكن الذي يُحقّر: أن تخاطبي هذه الوساوس بكل تفاصيلها, ولا تدخلي في أي نوع من التحليل, أو تشريحها؛ لأن ذلك سوف يزيد من حدتها، وربما يؤدي إلى تشعبات جديدة في مكوناتها, تزيد من دائرة وبؤرة الوساوس.

فقولي: (هذه وساوس حقيرة، لن أتبعها أبدًا، أنا بخير، أؤمن بحقيقة الموت، والخوف منه لا يقدم في حياتي لحظة, ولا يؤخر فيها لحظة) وسلي الله العافية والستر, هذا هو كل المطلوب, مع تحقير الفكرة.

إذن حقّرنا الفكرة، تجاهلناها، واستبدلناها بفكرٍ واقعي ومنطقي, هذا من ناحية العلاج السلوكي.

المكون الآخر في العلاج السلوكي هو: أن تعيشي حياتك بصورة طبيعية، تقومين بواجباتك المنزلية، افرحي برعاية أطفالك, وهذا الحمل الذي أنت فيه الآن، كوني بارة بوالديك، زوري أرحامك، ساعدي الضعفاء، عليك بتلاوة القرآن، الاستغفار، ممارسة تمارين رياضية خفيفة داخل المنزل... هذه كلها إضافات سلوكية جيدة جدًّا.

المكون الثالث في العلاج - وهو الأهم حقيقة - العلاج الدوائي: هذا النوع من الوساوس لا يمكن اقتلاعه إلا من خلال تناول أدوية مضادة للوساوس, وذلك استنادًا إلى الحقيقة العلمية أن المكون الرئيسي للمخاوف الوسواسية هو الاضطراب الذي يحدث في كيمياء الدماغ, والذي يَطال مادة تعرف باسم (سيروتونين), خاصة في منطقة تعرف بـ (نواة كوديت), وهذه المادة لا يمكن قياسها في أثناء الحياة، ولكن الفحوصات التي أجراها العلماء وفي مراحل مختلفة أثبتت ذلك، والحمد لله تعالى الآن توجد أدوية فعالة وممتازة تصحح مسار هذه المنظومة الكيميائية؛ مما يُقلل أو يزيل تمامًا من حدة الوسواس، أضف إلى ذلك أن الدواء يساعدك كثيرًا في تطبيق التمارين السلوكية التي تحدثنا عنها سلفًا.

أنكِ حامل في الشهر الثالث، نحن نقدر ذلك تمامًا؛ حيث إن الأدوية بصفة عامة لا يُنصح باستعمالها في فترة تكوين الأجنة، إلا أنه وبفضل من الله تعالى توجد أدوية أثبتت سلامتها أثناء الحمل، من أفضل هذه الأدوية عقار يُسمى تجاريًا باسم (بروزاك), ويسمى علميًا باسم (فلوكستين).

أنا أريدك أن تذهبي إلى طبيبتك – طبيبة النساء والولادة – التي تقوم بمراجعتك، واعرضي عليها اسم هذا الدواء، وأنا أؤكد لك أنه سليم جدًّا أثناء الحمل.

جرعة البداية هي: كبسولة واحدة في اليوم بعد الأكل، وبعد شهر ترفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة شهرين، ثم يتم خفض الجرعة إلى كبسولة واحدة لمدة ثلاثة أشهر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

ولمزيد من الفائدة عليك بمطالعة هذه الاستشارات لمعرفة علاج الخوف من الموت سلوكيا: (259342 - 265858 - 230225)

هذا هو الذي أنصحك به، وأسأل الله لك العافية والشفاء, والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • تركيا NwRHJHj

    شكرا على الموضوع كتير استفدت منه

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً