الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أكملت دراستي الثانوية وحصل لي نوع قلق وإحباط، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عمري 21 سنة، غير متزوجة، مشكلتي أني إنسانة لا أعرف أي شيء عندي بالضبط ؟! أنا متخرجة من الثانوية، ولم ألتحق بالجامعة، مما سبب لي الكثير من اليأس والإحباط، وأحس أني أعيش بلا هدف.

مشكلتي أني أتضايق إذا كان عندنا ضيوف، أو أجلس مع أبي، مع أنه طيب وما يقصر معنا بشيء، لكن أخاف، وأتمنى الوقت يمر بسرعة، أتضايق في الجمعات، وأتمنى أني جلست في البيت ولا طلعت, وأحيانا وقت المناسبات أتمنى أني أمرض أو أموت!

أحس نفسي أني إنسانة ثانية في عالم آخر، طول الوقت أتخيل أني أعمل (دراما)، أحاول أن أتوقف عن التفكير لكن أرجع له بعد فترة.

أنا إنسانة كتومة جداً، ولا أشتكي لأي شخص كان، حتى لو كان الأمر مهماً جداً، ما عندي ثقة في أي شخص، أنا إنسانة خجولة جداً، وفي حياتي كلها ما أتكلم مع أبي أو أخوالي! وإذا تكلمت معهم أتلعثم ويحمر وجهي، وأحس بحرارة، لا أعرف أن أجيب، شديدة الغضب وسريعة البكاء، حتى لو كان الأمر تافهاً! ما عندي صديقات، ما أعرف أكون صديقات، أعيش لوحدي، وعندي وقت فراغ كبير، لا أعرف كيف أقضيه؟!

أنا إنسانة ملتزمة -ولله الحمد- وما أدري أي شيء عندي بالضبط، وعند قراءتي سورة البقرة يطلع في فخذي نقط (موف) على وردي، لا أعرف هل عندي مس أو لا؟ وأغلب خوفي من الرجال لا أعرف لماذا؟

ما هو الحل لمشكلتي؟ أتمنى الرد في أقرب وقت ممكن وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ >>>> حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

من خلال العرض الذي أوردته في رسالتك، معظم المتغيرات التي تمرين بها هي متغيرات نستطيع أن نقول إنها شبه عادية من حيث قيمتها النفيسة، لكنها بالطبع مزعجة بالنسبة لك، والإنسان حين لا يجد تفسيرًا لما يحس به ويستشعره ينتج عن ذلك قلق وتوتر، وعدم القدرة على التكيف مع الحياة.

الأعراض التي سردتها تدل على أنك تعاني من قلق وسواسي، والقلق هو ظاهرة اجتماعية ونفسية منتشرة جدًّا، فيه ما هو صالح وفيه ما هو طالح، القلق الإيجابي يحسن من دافعية الناس من أجل النجاح والمثابرة والانضباط، والقلق السلبي يحبطهم، ويصرف طاقاتهم ويشتتها بصورة سلبية.

أرى أنه أيضًا لديك درجة بسيطة مما يسمى بالخوف الاجتماعي، ما وصفته بالانطوائية والخجل وعدم القدرة على تحمل التجمعات أو الضيوف يحمل هذا الطابع – أي الطابع الرهابي البسيط – وفي ذات الوقت يعرف أن الذين يعانون من القلق النفسي الزائد، وكذلك الوساوس تجدهم دائمًا في تسابق مع الزمن، ويحاولون الخروج من موقف معين دون أن يكون لهم بديل أو نشاط آخر يودون الانخراط فيه، هذه ظاهرة قلقية.

أيتها الفاضلة الكريمة: أنا أعتقد أنه سيكون من الجيد إذا تحدثت مع والدك حول هذه الأعراض، وأنك قد قمت باستشارتنا في إسلام ويب، وأنك تعانين من حالة قلق وسواسي بسيط يمكن أن تعالج من خلال مقابلة الطبيب النفسي لإبداء بعض الإرشادات العلاجية، وتوفير دواء يحسن من المزاج ويزيل القلق والوسواس، وهذا هو الوضع الأمثل.

أما إن لم تكن هنالك إمكانية لمقابلة طبيب نفسي فأريدك أن تتفهمي تشخيصك كما ذكرناه لك، وهو حالة تعتبر يسيرة، وعارضة إن شاء الله تعالى.

ثانيًا: القلق والوساوس وعسر المزاج الاكتئابي والرهاب الاجتماعي البسيط يعطي الإنسان دائمًا مشاعر سلبية حول مقدراته، هذا النوع من المشاعر إذا كان يسيطر عليك يجب أن يتم تجاهله وتحقيره وعدم الاكتراث له واستبداله بمشاعر مخالفة تمامًا، وهذه يمكن الوصول إليها بالجد والاجتهاد والاستفادة من الوقت لأقصى درجة.

أنت متدينة وهذا شيء عظيم، يمكنك أن توسّعي من علاقاتك الاجتماعية مع الصالحات من الفتيات، فالإنسان يحتاج في هذه الدنيا لمن يُعينه على شؤون الدنيا وأمور الآخرة.

اعرفي أن المستقبل لك، وهنا يجب أن تكون لك ثقة قوية جدًّا، ما فاتك من دراسة جامعية أعتقد أن ذلك يمكن استدراكه، أنت لازلت صغيرة في السن، ولم يضع عليك الكثير، هنالك بدائل تعليمية كثيرة جدًّا الآن، هنالك الكليات الجامعية، المعاهد، الجامعات المفتوحة، أصبحت البدائل كثيرة جدًّا للتعليم المنتظم، هذا أيضًا موضوع يجب أن تناقشيه مع والدك، ولابد أن تكون لك حماسة ودافعية خاصة جدًّا لأن تُقدمي على مشروع تعليمي مثل الأمثلة التي ذكرناها أو أي بديل آخر متوفر.

هنالك تمارين تسمى بتمارين الاسترخاء مهمة جدًّا لابد أن تطبقيها، ويمكنك تصفح أحد المواقع على الإنترنت التي توضح كيفية ممارسة هذه التمارين، وكما ذكرت لك مقابلة الطبيب سوف تيسر لك أيضًا الحصول على الدواء الذي يساعدك كثيرًا.

أما إن لم يكن ذلك ممكنًا فأقترح على والدك أنك في حاجة إلى دواء، وأفضل دواء يساعدك هو العقار الذي يعرف تجاريًا باسم (زولفت) أو (لسترال) ويسمى علميًا باسم (سيرترالين) وجرعته هي نصف حبة، يتم تناولها ليلاً لمدة أسبوعين، بعد ذلك ترفع الجرعة إلى حبة كاملة، واستمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم نصف حبة ليلاً لمدة أسبوعين، ثم يتم التوقف عن الدواء، وهو دواء سليم وفعال وغير إدماني ولا يؤثر على الهرمونات النسائية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، والشفاء والعافية.
________________________________________

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يرزقك الثقة بنفسك، وأن يعيد إليك طبيعتك العادية حتى تكوني مثل غيرك متفاهمة متعاونة تحبين الناس ويحبك الناس، وتتعاونين معهم فيما يرضيه سبحانه وتعالى، وتقبليهم على ما هم عليه، كما نسأله تبارك وتعالى أن يمنَّ عليك بإنهاء دراستك على خير، وأن يوفقك لزوجك صالح طيب مبارك يكون عونًا لك على طاعته ورضاه، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فالذي يبدو أنك في حاجة إلى تغيير بعض أنماط السلوك في حياتك، لأن هذه الأشياء التي ذكرتها في الغالب هي أشياء مزعجة بالنسبة لك شخصيا، لأنك تشعرين أنك شخصية مختلفة عن الناس جميعًا، وبذلك فضلت العزلة والانطواء والبعدٍ عن الناس، وأصبحت لا تطيقين أن تكوني في مجتمع مفتوح، بل إن الضيوف الذين يأتون إلى بيتكم لزيارة والدك أو أهله تشعرين بعدم الراحة لوجودهم، وكذلك أيضًا سرعة البكاء وشدة الغضب وعدم وجود صديقات، هذه أشياء تدل على أن هناك عدة مشاكل.

هذه المشاكل أتصور أنها ناتجة عن بعض الأمور: أما عن الجانب النفسي – وهذا أولاً – فلقد شرح لك أخي المستشار النفسي الدكتور محمد عبد العليم ما يتعلق بهذا الجانب، وأما عن الجوانب الأخرى فأقول: لعلك في أمس الحاجة إلى رقية شرعية، لأن ظهور بعض الحبوب هذه كما ذكرتِ في هذا المكان عندما تقرئين سورة البقرة لعل هذا دليل على وجود شيء غير طبيعي في جسدك، فأتمنى أن تبدئي بالرقية الشرعية، والرقية الشرعية كما تعلمين مجموعة من الآيات والأحاديث التي ثبت أنها تنفع في علاج ما يتعلق بالسحر أو المس أو العين أو الحسد، وهي ولله الحمد والمنة متوفرة في كل مكان.

فأتمنى أن تبدئي في علاج نفسك إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، إذا لم تتمكني من ذلك فمن الممكن بارك الله فيك أن تطلبي من الوالد أو الوالدة إذا كانت لديهم القدرة أن يقوما برقيتك بصفة منتظمة يوميًا، حتى تظهر طبيعة ما أنت عليه وما تعانين منه، ويمكن التعامل معه بسهولة ويسر.

والرقية الشرعية في العموم هي إذا لم تنفع فقطعًا لن تضر، لأنها عبارة عن كلام الله تعالى وكلام النبي المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - . إذا لم يتيسر أن تقرئي على نفسك أو أن يقرأ أحد الوالدين عليك أو أحد محارمك فمن الممكن أن تعرضي نفسك على أحد الأخوة الرقاة الثقات في بلدكم، وهم كُثر ولله الحمد والمنة، وذلك في حضور محرم شرعي لك، وأعتقد أن المسألة لن تتجاوز عدة جلسات بسيطة وستكونين إن شاء الله تعالى في أفضل حال.

لأنه ثبت لدينا بما لا يدع مجالاً للشك ولدى الرقاة جميعًا أن الجن قد يُعكر مزاج الإنسان، وقد يُكدر خاطره، وقد يحول بينه وبين ما يريد وما يشتهي، وأيضًا قد يُعيق تقدمه في دراسته أو في صناعته أو في حرفته أو في وظيفته، بل في حياته الخاصة أو العامة، والحمد لله من فضل الله تعالى أن الله أكرمنا بالقرآن العظيم وسنة النبي الكريم، علاج مجاني لا يحتاج منك أكثر من القراءة مع شيء من التركيز، تُقرأ على جسدك مباشرة آيات الرقية، ومن الممكن أيضًا قراءة الرقية على ماء أو زيت، هذا الماء تشربينه، وهذا الزيت تدهنين به، وإن شاء الله تعالى سيكون الأمر سهلاً ميسورًا.

فارقِ نفسك بنفسك أو ليرقيك أحد أقاربك أو أحد الأخوة الرقاة الثقات، هذه المسألة مهمة جدًّا.

أيضًا ضرورة الدعاء لنفسك أن يصرف الله عنك هذا السوء، لأنك تعلمين أن الله تبارك وتعالى أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة، كما قال سبحانه: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وقال: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} والدعاء كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ينفع مما نزل ومما لم ينزل، والدعاء يرفع أعظم أنواع البلاء، يعني لا تقولي أنا مريضة وما علاقة الدعاء؟ نقول: أيوب عليه السلام دعا الله تبارك وتعالى دعوة وكان مصابا بأمراض شديدة جدًّا – كما في بعض الروايات – فدعا الله تبارك وتعالى: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } ودعا بقوله: { أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } فاستجاب الله تعالى له بقوله: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ}.

فإذن عليك بالدعاء مهما كانت الحالة، لأن الدعاء من أعظم الأسلحة التي يستعملها المؤمن في حياته، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء).

كذلك أيضًا عليك بالإكثار من الاستغفار، فإن الاستغفار دواء سريع الفعالية، قال تعالى: { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} وقال تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} وقال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} وقال صلى الله عليه وسلم: (من لازم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا...) الحديث، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
كذلك أيضًا بدوام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، واطلبي من والديك الدعاء أيضًا بطلب الشفاء إذا كانوا على علم بهذه الحالة التي تعانين منها.

هناك أيضًا نقطة أخرى وهي ضرورة أن تجتهدي في تغيير نفسك، لأن الله تبارك وتعالى قال: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.

كونك تقولين لا أعرف تكوين صدقات، أعتقد أن الأمر ليس صعبًا، وإنما هذا أمر بسيط جدًّا، يعني كونك لك صديقات في المدرسة تمرين عليهم مثلاً (السلام عليكم، صباح الخير، أخباركم، أحوالكم) من خلالها سوف تنفتحين على زميلاتك وقريناتك، وأعتقد أن الأمر سيكون سهلاً.

إذا أرادت الوالدة أن تقوم بزيارة إحدى العوائل القريبة منكم فاذهبي معها، وحاولي أن تقاومي الرغبة في عدم التواصل، لأنك قطعًا ستكونين متضايقة، وأنا أعتقد أن معظم هذه الأشياء التي عندك بسبب إما المس أو العين أو السحر أو الحسد، فإذا تم علاجك بإذن الله تعالى سوف تتحسن حالتك، وأتمنى أيضًا أن تأخذي زمام المبادرة وأن تتوكلي على الله تعالى، وأن تتواصلي مع الناس.

أتمنى أن تحافظي على أذكار الصباح والمساء، فهذه من أهم أسباب العلاج، واجتهدي أن تكوني دائمًا على وضوء وطهارة بصفة منتظمة، واجعلي لك وردًا من القرآن يوميًا ولو صفحة من القرآن تقرئينها، لأن القرآن هو مستودع الإيمان، وهو أعظم الذكر كما أخبر بذلك العلماء، فعليك بالمحافظة على تلاوته يوميًا، واجتهدي في الاستغفار كما ذكرت، وأبشري بفرج من الله قريب، ولا تؤخري الرقية الشرعية، لأنها سوف تخرجك بإذن الله تعالى من هذه الأمور كلها، وستكونين في أحسن حال.

أسأل الله أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن ييسر لك أمرك وأن يقدر لك الخير حيث كان.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً